«راحت أيام الهنا /ولعبت أنا وياهم...و أجت أيام الشقا/ شوباشلك يا القلب تصـبر بـليّـاهم»...هذه الأبيات كانت من نسيج كلمات أيام الصبا للحاج"أمين همّال" وقيلت منذ أكثر من خمسين عاماً، والتي ارتبطت بذكريات جميلة لم تفصح عيونه عنها...وكان الحديث مقتصرا على دكانه التي أصبحت نقطة من نقاط العلام في "دير الزور"، يعرفه الكبار و الصغار فهو من مواليد 1924، و يعتبر محله هو أقدم محل"اسكافي" لا يزال يعمل في كل محافظة"دير الزور" و يكفي لكي تشير إلى مكان بالقرب منه أن تقول لمن يسألك عند "ابن همَال" حتى يعرف طريقه، كما أن تعامله الطيب مع الناس زاد من مكانته لديهم...

عن حياة هذا الرجل و عن تاريخ هذه المهنة كان للحاج "أمين همّال" أو "أبو بديع" هذا الحديث:

هو أقدم من عرفت في صناعة الأحذية فأذكره من ستين عاما فأنا تولد1937، و كانت أحذيته متقنة جداً لدرجة أننا كنا نلعب كرة القدم بها و تبقى عامين صالحة للاستخدام، و كان لطيفاً مع الزبائن، حازماً مع الصنّاع و لم أره مفاخراً بنسب أبداً، و لا يشعر بالتعالي على أحد، و هذه النفسية الطيبة لديه و لدى إخوته أيضاً، و إذا أردت حذاء جيدا يقول لك الديرين«روح على ابن"همال"

«بدأت العمل عندما عملت صانعاً لدى "جوزيف قرنبة" و هو"شخص"لبناني" كان يعمل في"دير الزور" و كنت حينها في السابعة من عمري، وكنا حينها نصنع الأحذية الرجالية الجلدية حتى النعل، و كان يسمى جلد النعل حينها "كوسلا" و كانت صناعته "إيطالية"، و كانت بعض الأحذية تباع "للفرنسيين" و تذهب أحيانا إلى "فرنسا"، و كان مكان عملي حينها مقابل حالياً لمحلي الحالي، قرب ما يسمى سابقاً "بالنافعة" أي "مصلحة المواصلات" و عملت مع"جوزيف" هذا من خمس إلى ست سنوات و كان رجل طيب و شريف، و أحياناً كنا نأخذ قياسات الأحذية التي نفصلّها في البيوت لخمس أو ست أفراد من أسرة واحدة، و عندما صار عمري خمسة عشر عاماً استلفت مبلغ600ل.س و فتحت محل بمفردي.

الحاج أمين همال

و بقيت أصنع الأحذية، ،و اشتريت قبل دخول"الإنكليز" بثلاث سنوات حوالي سنة1942"ماكينة ألمانية" من نوع"إدلير" و لا تزال هذه الماكينة تعمل إلى يومنا هذا، قديماً كانت الحياة كلها بركة فكنت في طفولتي أشتري "بقرش سوري" واحد أربعين قطعة "راحة" كذلك كنت أنزل مع والدتي"نورا العبيد"، و كنّا نشتري كيس الحب"القمح" ويزن100كغ بـ100قرش سوري، من سوق"براجيك" وهو سوق"تركي" نفسه جزء من السوق المقبي يسمى حالياً"سوق صبري الحامد" و هذا الكلام في سنتي1935-1936...

كنا نصنع الحذاء بخياط يدوي نخيط" الوردول" "كنار الحذاء الجانبي" و النعل يخيط خياط يدوي وكان الحذاء يكلف 2.5إلى3ل.س حتى عام 1950، و لقد بدأت الأحوال المعيشية بالتغير منذ الأربعينات أي منذ حرب"ألمانيا" مع الحلفاء و كنت أشارك حينها مع الجماهير الثائرة ضد"الفرنسيين"، و كنا نتابع الأخبار حينها بجهاز"راديو" من نوع "تليفونكي" و كان ثمنه حينها600ل.س و كنا نحب"هتلر" لاعتقادنا أنه قوي و شريف، و نكره "فرنسا" لأنها احتلتنا، كنا متصورين حينها ببساطة أن"هتلر" يحب"العرب"، و يحارب الاستعمار، لكن اكتشفنا فيما بعد أنها لعبة إعلامية، و كان هناك مذيع"عراقي" بصوت"ألمانيا" هو"موسى بحري" و كان ينادي دائماً عبر"المذياع":«أيها العرب اركبوا خيولكم،و جنّدوا سيوفكم و نحن معاكم و الله معاكم».

الحاج أمين همال مع ابنه صفوان

و لما دخل"الإنكليز" من"العراق" كان هناك ضابط بالجيش يدعى"الكابتن سامي الحناوي" و الذي استطاع مع عدد قليل من الجنود أن يمنع "الإنكليز" من الدخول على "دير الزور" و كان عددهم كبير، و قد تمركز"الحناوي" و جنوده فوق الجبال المحيطة بـ"الدير" حوالي"المطار" حالياً، و قد استطاع "الإنكليز" حينها الالتفاف على"الدير" و الدخول و ذلك بمساعدة الضابط الإنكليزي"حنيج" من الحَنَك هكذا كان يسميه "البدو" أو "أبو حنيج" لأن حنكه كان أعوج، و كان يعرفه "البدو" في"سورية" و"العراق" إذ تنقل بينهم و أكل معهم"الثرود".

و مما كنا ننشده في المظاهرات ضد"الفرنسيين":

الحاج أمين همال أثناء الحوار معه

يا"فرنسا" لا تبالي/ و قولي العيش طابا

سوف تأتيك الليالي/ تطردي طرد"الكلابا"

**آراء بالحاج"أمين همال":

الأستاذ الشاعر"صلاح هواس": «هو أقدم من عرفت في صناعة الأحذية فأذكره من ستين عاما فأنا تولد1937، و كانت أحذيته متقنة جداً لدرجة أننا كنا نلعب كرة القدم بها و تبقى عامين صالحة للاستخدام، و كان لطيفاً مع الزبائن، حازماً مع الصنّاع و لم أره مفاخراً بنسب أبداً، و لا يشعر بالتعالي على أحد، و هذه النفسية الطيبة لديه و لدى إخوته أيضاً، و إذا أردت حذاء جيدا يقول لك الديرين«روح على ابن"همال"».