جمع بين السعي الحثيث إلى العلم وبين الالتفات إلى شؤون الناس في بلده رغم اغترابه، لقّبه عارفوه بأبي البشر، رشح للقب شخصية العام عن فئة المغتربين للعام الحالي؛ فنال المركز الثاني بجدارة.

من على ضفة الفرات حيث ولد الدكتور "ياسين عبد الفتاح الفتيح" عام 1976 حتى اليوم في مغتربه في "دبي" وهو ما زال على اجتهاده مصمماً على تقديم عصارة فكره من أجل تطوير رؤية مختلفة لحقل علمي قد لا يعلم أهميته الكثيرون، هو حقل "البيولوجيا" الذي يراه الدكتور "الفتيح" مفتاحاً للمستقبل.

هناك في الوطن العربي عامة وليس فقط في "سورية" ضعف شديد في هذا التخصص، خاصة أن نظام التعليم في الدول الفقيرة مازال تقليدياً يعتمد على أسلوب التلقين وليس الإبداع والتفكير الخلاق، وهو الأمر الذي يحتاجه هذا العلم جداً

بدأت علاقة "الفتيح" مع البيولوجيا مبكراً حين قدم له والده ميكرسكوباً صغيراً مع موسوعة علم الحيوان للأطفال، فبدأ وعيه يتفتح على عوالم جديدة ستشكل له مع قادم الأيام عالمه الكامل الذي سيقدم فيه أبحاثه على مستوى العالم في كبريات المجلات المتخصصة، ومع تخرجه في كلية الزراعة الثانية في "دير الزور" (تابعة لجامعة "حلب") عام 1999، ثم حصوله على دبلوم الدراسات العليا من "جامعة "حلب" في عام 2001، عمل من العام 2001 إلى 2003 في مركز البحوث التابع لوزارة الري بالتنسيق مع "هيئة الطاقة الذرية" بصفة باحث ثم سافر إلى "ألمانيا" عام 2003؛ لإكمال دراسته في البيولوجيا البيئية.

في أحد المؤتمرات العلمية

تتضمن علوم البيولوجيا كما يقول "الفتيح" الكثير من العلوم، فتبدأ بعلوم البكتيريا والفيروسات ولا تنتهي بالبيولوجيا الطبيعية والصحة البيئية، ويضيف: «هناك في الوطن العربي عامة وليس فقط في "سورية" ضعف شديد في هذا التخصص، خاصة أن نظام التعليم في الدول الفقيرة مازال تقليدياً يعتمد على أسلوب التلقين وليس الإبداع والتفكير الخلاق، وهو الأمر الذي يحتاجه هذا العلم جداً».

في عام 2004 حصل "الفتيح" على معدل عالٍ في جميع المواد العلمية التي تقدم لها لمعادلة شهادته السورية بالألمانية، وحصل بموجبها على تصريح بدراسة الدكتوراه في جامعة "هوهنهايم" الأعرق في العالم بمجال التخصص، لينالها بتقدير جيد جداً في العام 2008، ثم عمل بصفة بروفسور مساعد في جامعة "عجمان" للعلوم والتكنولوجيا كأستاذ لمادة البيولوجيا والعلوم البيئية والتغذية والتشريح والفيزيولوجي في قسم "هندسة المعدات الطبية"، ثم بصفة بروفسور زائر في الجامعة الكندية في "دبي" في كلية العلوم كأستاذ لمواد السموم البيئية وعلم الوبائيات، وحالياً يجري بحوثاً في المملكة البريطانية للحصول على لقب بروفسور.

على شاطئ دبي

نشر عدة أبحاث تتعلق بالبيولوجيا في مجلات علمية عالمية عريقة في هذا الشأن، مثل مجلة "أرشيف" الألمانية و"كامبريدج" البريطانية، وقدم ورقة علمية مهمة جداً في بحوث البيولوجيا في أحد المؤتمرات العلمية ينصح فيها باختيار طائر تجارب جديد بدلاً من ذاك المستخدم من قبل وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" وهو طائر السلوى، وذلك بسبب عدم حساسية هذا الطائر الكافية للظروف المخبرية، كما شارك في عشرات المؤتمرات العلمية في "ألمانيا، وفرنسا، وتركيا، وروسيا" والوطن العربي، ويعد حالياً لنشر أول موسوعة عربية في علوم البيولوجيا، يقول عنها: «جاءت الموسوعة نتيجة فقر المكتبة العربية لمرجع علمي معتبر باللغة العربية، وقد عكفت على الترجمة والكتابة منذ حوالي خمس سنوات، والنسخة الأولية من الكتاب شبه جاهزة وتحتاج إلى القليل من التنقيح قبل الطباعة، وأسأل الله أن يكون فيها فائدة لطلاب العلم من أبناء بلدي».

تتضمن الموسوعة نحو 40 وحدة؛ يناقش في كل منها أهم الموضوعات التي تتعلق بعلم البيولوجيا في ضوء العلم الحديث مرفقة بصور وفهارس توضيحية، إضافة إلى أقسام خاصة بالتفكير الإبداعي، ونقاط أساسية مرجعية لكل جزء، والموسوعة ستأتي بحوالي ألف صفحة من القطع الكبير، ومن المتوقع الانتهاء منها هذا العام.

صورة شخصية له

عرف الدكتور "الفتيح" بعلاقته الواسعة الانتشار مع الوطن الأم، خاصة عبر سنوات الظروف الراهنة، فكان خير معين لكثيرين من السوريين داخل وخارج الوطن، ونتيجة لما قدمه فقد رشحه أصدقاؤه للقب شخصية العام عن فئة المغتربين كما قلنا سابقاً، وقد شارك بالتصويت الآلاف من السوريين المقتنعين تمام القناعة بجهود الدكتور "الفتيح" في الإغاثة والمساعدة بصمت لأبناء وطنه، وآخرها مساعداته القيمة في إطار حملة "دفانا محبتنا" في مختلف المحافظات السورية.

يتحدث عن تأثير الحرب الأخيرة في البيئة السورية بألم واضح، ويرى أن الحرب قد شوهت الكثير الكثير ليس من البيئة فقط بل من الإنسان نفسه، يقول: «الحرب أثرت تأثيراً سلبياً كبيراً على الصحة العامة، وعلى البيئة أيضاً التي تؤثر أيضاً بدورها في صحة الإنسان، وأهم ظاهرة يمكن التركيز عليها ظهور أوبئة كانت تحت السيطرة مثل شلل الأطفال والسل بسبب غياب اللقاحات، كذلك انتشار الأمراض السرطانية بسبب استخراج النفط بطريقة بدائية وتسرب كميات كبيرة منه إلى الأنهار والمياه الجوفية، وعودة ظهور التيفوئيد بسبب تلوث المياه، ناهيك عن تسرب المواد الإشعاعية من حقول النفط التي تعد أكبر التحديات المستقبلية بسبب طول عمر المادة المشعة الذي يبلغ أكثر من ألف عام».

يثق "الفتيح" بالسوريين وقدرتهم العلمية أينما حلوا، يقول: «السوريون والعرب لا ينقصهم الذكاء ولا القدرة، ويجب ألا نعاني من عقدة النقص مقابل الآخرين، ما نحتاج إليه هو الإحسان في العلم والعمل، نحتاج إلى من يقدر العلماء، وإلى من يدفع باتجاه البحث العلمي السليم ويضع أسساً واضحة لتطويره، ونحن نمتلك في "سورية" طاقات خلاقة في كل المجالات، ولكن ما نحتاجه هو مقاربة جديدة لأساليب التعليم والابتكار وذلك بدءاً من المرحلة الابتدائية وانتهاء بالمرحلة الجامعية، ولدي ثقة كاملة بـ"سورية" الغد وشعبها الذي جعل من أقدم عاصمة في التاريخ منارة للعلم سابقاً، وهو الذي مازال يحصد التقدير والاحترام أينما حل رغم الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلد».

يصفه صديقه الباحث "محمد جمال الطويل" بدمث الأخلاق والشخصية الأكابر والمحترم أينما حل، يعمل حالياً أستاذ علم الوبائيات في الجامعة الكندية في "دبي"، وهو خبير محكم في شؤون البيئة والصحة العامة وحائز على لقب أفضل أستاذ جامعي حسب تقييمات الجامعة بنسبة 100%.