«كانت الرحلة شاقة، أشبه بخطوات طائر طموح فوق بيداء الظمأ.. لكن هذه الخطوات، وصلت والحمد لله، رغم كل الإحباطات والمعوقات، وكل حقول الشوك التي تزرعها البيروقراطية في دروب الشمس».

بهذه الكلمات بدأ الروائي "عدنان فرزات" حديثه مع eSyria ليخبرنا كيف استطاعت الغربة تلك الخيمياء العجيبة أن تحول كل هذا العادي والمؤلف في أرض الوطن إلى أحاسيس خلابة فيتابع قائلاً: «ولدت في "دير الزور" عام 1964 من أبوين قدما في أوائل الستينيات من محافظة "حماة" واستقرا، بسبب إغواء الفرات للزائرين كي يمكثوا، والدي هو "محمد نبهان فرزات" المعروف بـاسم "أبو علي"، وهو أقدم مدير للسجل العقاري "الطابو"، ويعد شخصية شهيرة في "دير الزور".

"عدنان فرزات" حالة إنسانية رائعة، يستقبلك دوماً بابتسامته الذكية، ويكتب بلغة كلها حسية وعمق، ولي معه ذكريات جميلة لن أنساها ما حييت

درست كل المراحل في هذه المدينة النقية كجناح عصفورة، وكانت آخر دراستي فيها في ثانوية "الفرات"، قبل أن أتوجه إلى "حلب" لدراسة الحقوق، ولكنني بدأت العمل بالصحافة أثناء دراستي وتوجهت بكل ما املك من موهبة إلى احتراف هذا العمل، فبدأت في صحيفة صغيرة حجما، لكنها كبيرة وعيا وحرفيةً، هي صحيفة "الجماهير" في "حلب"، قبل أن انطلق منها لفضاءات عربية وعالمية فيما بعد. فكنت على حداثة عمري أنشر في صحف عربية خارج سورية، وكانوا يرسلون لي خطابات ظنا منهم بأنني كبير بالعمر. ثم سافرت إلى الكويت لتبدأ رحلة النجاح الأكيد- بفضل الله- حيث هيأت لي صحفها وخصوصا صحيفة "القبس" مساحات واسعة للانطلاق، ثم تدرجت في حياتي الصحفية حتى وصلت إلى منصب رئيس تحرير، وكان ذلك في صحيفة "الدومري" التي صدرت في سورية عام 2001، وعدت بعدها إلى الكويت، وأنا الآن سكرتير تحرير مجلة "البيان" الصادرة عن رابطة الأدباء، ومسؤول المركز الإعلامي في مؤسسة "البابطين" للإبداع الشعري، وكاتب صحفي في "القبس" وعدد من الصحف الخليجية، ومستشار تحرير لعدد من المطبوعات الثقافية».

الأديب عدنان فرزات في قرطبة

كما أعطى "فرزات" لمحة عن عمله الروائي "جمر النكايات" والأصداء الكبيرة التي حققها والذي صدر في سنوات الاغتراب بقوله: «صدرت لي رواية بعنوان "جمر النكايات" في أوائل هذا العام 2010م، وخلال أربعة أشهر تقريبا صدر منها طبعة ثانية، حيث أحدثت الرواية ضجة كبيرة بفضل الله وعقدت حولها الندوات، وكُتبت عنها الدراسات النقدية التي فاق حجمها حجم الرواية.. لي أيضا كتب أخرى في مجال الإعداد، ولدي مئات المقالات في الصحف العربية، وأُجري معي الكثير من اللقاءات، آخرها كان في إذاعة مونتي كارلو، وكنت سعيدا وأنا أتحدث لهذه الإذاعة التي تبث من فرنسا عن "دير الزور" وتحديدا عن حي "الكجلان" الذي عشت فيه، والذي كانت الرواية عنه.. كان حدثا مميزا أن يذكر حي "الكجلان" في إذاعة عالمية. كذلك أجرت معي إذاعة الجزائر حوارا عن الرواية إضافة إلى الكثير من الصحف السورية والعربية الأخرى.

حصلت خلال مشواري على العديد من شهادات ودروع التقدير، وحضرت الكثير من المؤتمرات العربية والعالمية، مثل اسبانيا وباريس، والكثير من البلاد العربية».

عدنان فرزات في إحدى الندوات عن روايته جمر النكايات

أما ماذا أضافت تجربة الاغتراب لـ"عدنان فرزات" على الصعيد الإنساني والأدبي، فلخصه بقوله: «الغربة اكبر مدرسة بشرية، فيها تتلاقح الأفكار وتلتقي الحضارات، فأنت أمام شعوب من مختلف الثقافات والمعتقدات والاتجاهات الفكرية، وهو ما يعطيك زخما كبيرا فيجعلك مؤمناً بالرأي الآخر، وموقنا بأهمية التعددية وحوار الحضارات، وتتشكل لديك أرضية صلبة تقف عليها وأنت في صدد طرح أفكارك الجديدة.

الغربة أيضا تنسج تحت خطواتك بساطاً حريرياً من الشاعرية، فيها تتفتح قريحتك أكثر على الإبداع، وتبزغ من مكامن الروح مفردات مدهشة.. الغربة تجعلك حنونا ووارف الظل مثل وطن من خيال، تبنيه بحجارة في الغربة».

وهناك أشياء يفتقدها في الوطن الأم، وأشياء يتمناها، شرحها بقوله: «افتقد.. أزقة الطفولة الأولى.. أشجار الغرَب على ضفتي نهر الفرات.. نهر الفرات.. طين الفرات.. وصمت قارب يحزّ صفحة الماء تحت الجسر المعلق.. وطفلة تمسح سمرتها تحت وطأة الشمس.. افتقدت في "دير الزور" أختي "منى" التي ربتني طفلا وأبناءها "عبير، رشا، حنان، ندى، إيمان، رهام، محمد".. افتقد أصدقائي كلهم حيث تركتهم هناك مثل ظل نخلة عتيقة يكملون بناء الوطن.. افتقدت الوطن».

كما أن "لفرزات" علاقات متينة بأبناء وطنه عبر عنها بقوله: «بالتأكيد، ثمة أصدقاء هنا أكثر من رائعين، يكتبون في شتى أنواع الأدب والصحافة. وقد حققوا حضورا رائعا في المشهد الثقافي الكويتي، ويقيمون الندوات، ويحتفون بنتاج بعضهم بعضا. وهنا اسمح لي أن أشكر المثقفين في الكويت الذين احتفوا بروايتي "جمر النكايات"، في منتدى رواق الكلمة وحضرها جمهور غفير من شتى الجنسيات».

و"فرزات" يرى أن المشهد الثقافي في "دير الزور" يحتاج أشياء كثيرة ليكون بوضع أفضل، إذ يقول مبيناً ذلك: «المشهد الثقافي في "دير الزور" جيد ولكن المشهد الإعلامي هو المقصر، فالإعلام يفترض به أن يكون أكثر اهتماما بالمثقفين وبنتاجهم الأدبي لأن هناك حالات إبداعية في "دير الزور" متميزة جدا، ولكن هؤلاء المبدعين يحتاجون إلى يد إعلامية تمتد إليهم لتظهرهم إلى ساحات العلن بشكل يتيح للآخرين من النقاد العرب والمثقفين في كل مكان أن يتعرفوا على نتاجهم».

ومن أصدقاء الأديب "عدنان فرزات" التقينا الشاعر "نبيل حقي" فحدثنا بقوله: «"عدنان فرزات" حالة إنسانية رائعة، يستقبلك دوماً بابتسامته الذكية، ويكتب بلغة كلها حسية وعمق، ولي معه ذكريات جميلة لن أنساها ما حييت».