تعتبر تجربة الاغتراب من أقسى التجارب التي يعيشها الإنسان، ولكن هناك عوامل تخفف من حدتها وتجعلها أفقاً يساهم في تطوير الأشخاص، ولعل تجربة الإيفاد الدراسي هي واحدة من هذه الحالات، وهذا ما أكده لنا المغترب "أحمد ملا علي" عندما التقاه موقع eSyria لطرق أبواب تجربته الاغترابية، وهو من مواليد 27/12/1977، متزوج من ألمانية ذات أصول بولونية اسمها "دانوتشا" وله ولد اسمه "طلال" عمره الآن حوالي الثلاث سنوات.

يتحدث "ملا علي" عن بداية قصته التي انطلقت من أرض الوطن: «بدأ عشقي للرياضة منذ الطفولة، وكنت في المرحلة الإعدادية أمارس ألعاب القوى، وقد استطعت أن أتفوق فيها على مستوى القطر إذ أحرزت المركز الثالث في بطولة الجمهورية –ناشئين في هذه الرياضة، وكان هذا التفوق هو سبب دخولي كلية التربية الرياضة جامعة تشرين، والتي تخرجت فيها عام 2000، وبعد إنهاء خدمة العلم عام 2003 عينت معيداً في نفس الكلية باختصاص "مناهج وأصول تدريس"، وفي نهاية عام 2005 تم إيفادي إلى ألمانيا للحصول على درجة الدكتوراه في العلوم الرياضية.

بالنسبة لتخصصي فأهميته تكمن في تطوير وتحديث مناهج التربية الرياضية، فأول نشاط رياضي للأطفال يبدأ في المدرسة أو بالأحرى بمرحلة ما قبل المدرسة، والنشاط الحركي مهم لتكوين الأطفال من النواحي البدنية والنفسية والاجتماعية، لأن النشأة البدنية غير الصحيحة سيكون لها مضاعفتها على هؤلاء الأطفال في المستقبل

كانت أولى الصعوبات التي واجهتني وتواجه باقي المعيدين أو الموفدين هو إيجاد بروفيسور مشرف بالاختصاص المطلوب، وبعدها أمور تعديل الشهادة بالإضافة إلى اللغة الجديدة والثقافة الجديدة».

أثناء التمرين مع ابنه طلال في ألمانيا

ثم يتابع "الملا علي" حديثه شارحاً تخصصه الذي يدرسه، وما أهميته فيقول: «بالنسبة لتخصصي فأهميته تكمن في تطوير وتحديث مناهج التربية الرياضية، فأول نشاط رياضي للأطفال يبدأ في المدرسة أو بالأحرى بمرحلة ما قبل المدرسة، والنشاط الحركي مهم لتكوين الأطفال من النواحي البدنية والنفسية والاجتماعية، لأن النشأة البدنية غير الصحيحة سيكون لها مضاعفتها على هؤلاء الأطفال في المستقبل».

إن ذكريات الوطن لا تغيب عن خاطر "الملا علي" فهو يعيش في بيئة مختلفة كل الاختلاف عن بيئة مجتمعنا العربي، لذا ستكون الغربة مضاعفة لدى المغترب، فيقول لنا موضحاً هذه المسألة الحساسة: «أفتقد الوطن بكل تفاصيله وجزئياته، حتى المعاناة داخل الوطن تشتاق لها لأنها مقرونة بالإقامة فيه، وهناك أوقات يزداد فيها الشوق والحنين مثل أيام الأعياد، فحقيقة إنه لشعور قاس جداً أن تقضي العيد بعيداً عن الأهل والأصدقاء، حينها تشعر أنه بلا نكهة رغم كل ما لها من خصوصية دينية إذ إن العيد هو طقس ديني تمارسه مع مجتمع يقر ويعيش هذه القيم».

الإعلامي محمد عرسان

ورغم صعوبة العيش في الغربة إلا أنها تساهم إلى حد كبير في صقل تجارب المغتربين، كما تعمل على تطوير إمكاناتهم، وهذا العامل الأساسي الذي يقلل من مرارة الابتعاد عن الوطن الأم، و"الملا علي" بين لنا هذه النقطة بقوله: «بالنسبة للآفاق التي فتحتها الغربة فهي التعرف على ثقافات وحضارات جديدة من خلال التعرف على أناس من جنسيات مختلفة، وألمانيا بلد فيه الكثير من الجنسيات وهو في طليعة البلدان المتقدمة في العالم، لذا ترى إلى جانب التقدم التقني العالي المستوى هذا التنوع في البشر ما يجعل التفاعل الاجتماعي في هكذا بيئات سبباً في إغناء التجربة الشخصية إلى حد كبير جداً».

ومن عائلة "أحمد ملا علي" كان لنا وقفة مع والدته السيدة "فوزية آغي" والتي حدثتنا عن تميز ابنها ودأبه في الحصول على المعدل العالي الذي مكنه من متابعة دراساته العليا والذي كان سبب اغترابه بقولها: «استطاع "أحمد" من خلال مواظبته على التمرينات الرياضية في ألعاب القوى من النجاح في هذه اللعبة على مستوى القطر، فكان أن حقق حلمه بدخوله كلية التربية الرياضية، والتي تعامل معها بكل جد ومثابرة وهذا تطلب منه إدارة صحيحة للوقت بحيث يتابع دراسته بالشكل الصحيح، نتيجة ذلك الدأب أن برز من الأوائل على دفعته في الكلية، فتم إيفاده من قبل جامعة تشرين ليتابع دراساته العليا في ألمانيا، وذلك ليكون ضمن الكادر التدريسي في الكلية التي تخرج فيها، ورغم اشتياقنا الدائم له ولأسرته، ولكن نبل المهمة التي أوفد من أجلها يخفف علينا قسوة هذا الفراق».

الطفل طلال أحمد ملا علي

ومن زملاء "الملا علي" التقينا بالإعلامي السيد "محمد عرسان" وهو خريج كلية التربية الرياضية، فقال لنا: «استطاع بعض الزملاء و"أحمد" كان واحداً منهم أن يبذل جهداً حقيقياً خلال مرحلة الدراسة مما أثمر في نهاية المطاف لأن يكون السبب في متابعته الدراسات العليا، كما أن "أحمد" يرتبط بعلاقات جيدة مع زملائه لما له من لطف المعاملة وروح الفكاهة الجميلة التي يتميز بها، عندما نلتقيه أثناء زياراته لبلده فإن أول ما يتضح لنا أن عينيه لا تملكان إلا افتضاح شوقه وحنينه لتراب هذا الوطن.. لأهله وأصدقائه، وكأنه في توق دائم لذكريات لا تغيب عن البال».