كان طموحه الشديد بمثابة المصباح الذي أضاء له طريقاً من التفوق والنجاح ليس في الوطن الأم فحسب، وإنما في عدة دول عربية، إنه المهندس "عامر فياض الكحيص". والذي التقاه eSyria عبر الإنترنت فكان لنا معه هذا الحديث:

«أنا من مواليد 1970، تخرجت في كلية الزراعة الثانية "بدير الزور" عام 1995 وعملت في حوض الفرات الأدنى بمشروع القطاع السابع ببداية حياتي المهنية، وبعد خدمة العلم عملت في مديرية التشغيل والصيانة بحوض الفرات الأدنى، وفي هذه الفترة انقسمت حياتي المهنية إلى شطرين:

ما أفتقد له من وطني الأم هو وطني الأم نفسه بنسمات هوائه وسهرات ليله وطيبة شعبه لابد من العودة له ذات يوم لأنه وباختصار شديد هو وطن. فعلى الرغم من طيبة الشعب القطري وبساطة التعامل مع أبنائه فالمعيشة في قطر مريحة لأبعد الحدود، إنما تبقى سورية كلها بشامها وحمصها وحلبها وساحلها وبالطبع فراتها الخالد أسطوانة تغرد كل لحظة في بيتي، فحماة الديار، وسورية يا حبيبتي، يحفظها أولادي جميعهم وأعلام الوطن تملأ جدران منزلي

الأول: كان في مديرية التشغيل والصيانة فقد عملت رئيساً لشعبة المحروقات، وبعد ذلك في عام 2002 تكلفت بإدارة مشروع قناة جر مياه الفرات إلى بلدة "الصور" وهو مشروع حيوي ذو أهمية بالغة لقرى نهر الخابور المنكوبة بسبب جفاف النهر، فقد أعاد الحياة إلى أكثر من 15 قرية على سرير الخابور، وبقيت بإدارة المشروع حتى مغادرتي سورية الحبيبة في آذار 2005.

بين أشجار النخيل

الثاني: وكان في ممارسة مهنتي وهوايتي التي أحب وهي تنسيق الحدائق، فقد عملت رئيساً لقسم الزراعة وتنسيق الحدائق في فندقي "فرات الشام" و"بادية الشام" منذ عام 2001.

وقد كانت لي مساهمة كبيرة في إعادة تأهيل حدائق فندق "بادية الشام" "الكونكورد" سابقاً، وإعادة افتتاحه بمسماه الجديد.

أثناء عمله

أما ما يخص "النخيل" فأنا عشقت هذه الشجرة عشقاً جنونياً رغم أن أعمالي التي كلفت بها لا تمت لها بصلة، إلا أنها لطالما أثارت شجوني فهي هوية لشخصيتنا العربية الأصيلة، ولبركة هذه الشجرة العظيمة ولكثرة ما ذكرت في القرآن الكريم بقيت أبحث وأدرس كل ما تحظى به يدي من مراجع عنها فنشأت علاقة حميمة بيني وبينها».

أما تجربة الاغتراب فقد بدأت بإعلان للسفارة القطرية تطلب به مهندسين للعمل في قطر، إذ يقول "الكحيص": «في عام 2004 أعلنت السفارة القطرية عن حاجتها لمهندسين زراعيين وتقدمت لها وكنت من المقبولين.

المهندس عيسى اللجي

وبعد وصولي لدولة "قطر" شاءت الأقدار أن يتم فرزي في إدارة البحوث الزراعية والمائية التابعة لوزارة البلدية والزراعة، ودون سابق إنذار وجدت نفسي بين الأشجار التي أهوى وأعشق فتم تكليفي بمهمة أبحاث "النخيل".

وهنا امتزج لدي شيئان هامان وهما العمل وحب العمل فهذا المجال طالما حلمت به وقد تحقق لي في غربتي.

ولكوني أعمل في بلد يعتبر النخلة أحد أفراد العائلة وهي الركيزة الأساسية في العمل الزراعي بدأت العمل في أبحاث "النخيل" في خف "النخيل" وتلقيح "النخيل" وتجفيف التمر.

وفي عام 2007 قامت ايكاردا بمشروع تطوير "النخيل" في دول مجلس التعاون الخليجي وتم تكليفي بأبحاث إدارة المحصول ومعاملات ما بعد الحصاد الخاصة بدولة قطر.

وقمت بهذه التجارب التي ما زالت قائمة حتى الآن وقد مثلت قطر في العديد من الاجتماعات في المشروع المذكور في مختلف دول المجلس حيث كنا نجتمع بمعدل مرتين في العام الواحد على الأقل، وكانت نتائج الأبحاث مبشرة.

وبالإضافة لكوني أعمل في مجال "النخيل" تم تكليفي صيف 2008 كمشرف لمحطة أبحاث البستنة والمحميات في "العطورية" وهي الوحيدة في "قطر" التي تعنى بأبحاث البستنة والمحميات وما زلت فيها حتى الآن.

وقد أتممت سنتي الخامسة في آذار 2010 وفي المدى المنظور لا توجد نية للعودة للوطن لكوني أعمل في مجال لا أستطيع تركه فنتاج عملي وتعبي لم أجنه بعد».

وبالنسبة لما أضافته تجربة الاغتراب للمهندس "عامر كحيص" فقد لخصها بقوله: «بالنسبة لتجربة الاغتراب وما أضافته لي ففي الحقيقة اغترابي استفدت منه كثيراً وبغض النظر عن الجانب المادي فأنا عملت في مجال أحببته منذ نعومة أظفاري وزادت خبرتي فيه بشكل كبير، وخصوصاً عندما تتعامل مع خبراء "النخيل" ليس في العالم العربي فحسب بل في العالم بأسره، فقد كان لي الشرف أن التقيت الدكتور "حميد الجبوري" والدكتور "سمير شاكر" والدكتور "حسن شبانة" والبروفيسور "محمد اعوين" والدكتور "عبد العظيم حماد" وهي أسماء لها ثقلها في بحوث "النخيل".

وعلى هامش المشروع تكونت لدي صداقات ومعارف في دول المجلس كلها وهم من يقودون دفة أبحاث "النخيل" في بلدانهم، ومنهم الدكتور "أحمد البكري" والدكتور "اسحق الرقيشي" من عمان والأستاذ "منصور المنصوري" و"راشد بورشيد" و"سعيد البغام" من دولة الإمارات العربية المتحدة والأستاذ "عدنان عفالق" من المملكة العربية السعودية والدكتور "عبد العزيز عبد الكريم" من مملكة البحرين، والأستاذ "أسعد الرميح" و"محمد الحربي" من دولة الكويت. والأستاذ "عبد الله البو عينين" والدكتور "عبد المنعم مختار" والدكتور "خالد المير" من قطر.

كل هذه الأسماء تعمل في مجالات تخص "النخيل" وباختصاصات مختلفة، وكان لي الشرف للعمل معها، وهي من جنسيات مختلفة فمنها الخليجي ومنا العراقي ومنها المغربي ومنها المصري ومنها الليبي».

ومن الوطن الأم أشياء كثيرة يفتقد لها "الكحيص" عبر عنها بالقول: «ما أفتقد له من وطني الأم هو وطني الأم نفسه بنسمات هوائه وسهرات ليله وطيبة شعبه لابد من العودة له ذات يوم لأنه وباختصار شديد هو وطن.

فعلى الرغم من طيبة الشعب القطري وبساطة التعامل مع أبنائه فالمعيشة في قطر مريحة لأبعد الحدود، إنما تبقى سورية كلها بشامها وحمصها وحلبها وساحلها وبالطبع فراتها الخالد أسطوانة تغرد كل لحظة في بيتي، فحماة الديار، وسورية يا حبيبتي، يحفظها أولادي جميعهم وأعلام الوطن تملأ جدران منزلي».

ومن أصدقاء المهندس "عامر كحيص" التقينا المهندس "عيسى اللجي"، وهو أحد السوريين المغتربين في دولة قطر، فقال لنا: «"عامر كحيص" إنسان مرن ودمث يتمتع ببديهة حاضرة وسريعة، مثقف وقادر على تجاوز أي موقف بجرأة وبنفس الوقت بهدوء، عنيد عند قناعته الشخصية، كما أنه يقبل الآخرين بروح مرحة ويتعامل بأريحية معهم، وقادر على تجاوز أي أزمة أو موقف بلباقة مهما كان الموقف، وهو إنسان طموح ومثابر ما يترك فرصة للتعلم والتقدم للأمام، ومحب لعمله على الرغم من كل الصعوبات التي صادفته، لكن في الوقت ذاته استطاع أن يتجاوز الكثير من الأزمات التي واجهته بحسن سياسة وتدبير ولعل أهم هذه الصعوبات لما كان يعمل بحوض الخابور فقد تعامل مع شريحة من المجتمع الريفي المعروف عنها الصلابة والعناد وبالوقت ذاته استطاع ينجح بمهمته بينهم».

والتقينا كذلك أحد رفاق الدراسة للمهندس "عامر كحيص" والذي تربطه به علاقة حميمة وهو المهندس "عبد الرؤوف حجاب" فحدثنا عنه بقوله: «"عامر كحيص" هو أخ وصديق عزيز، وزميل دراسة، عرفت فيه الطموح والمتابع وحبه لأصدقائه، فقد درسنا معاً في كلية الزراعة في "دير الزور"، وقضينا أيام جميلة لا تنسى، وحتى بعد مرحلة الدراسة ودخولنا الحياة العملية كنا لا نفترق ونلتقي بشكل يومي، ويعجبني فيه طموحه الشديد فقد أخبرنا ذات يوم بأنه تقدم إلى طلب للعمل في دولة قطر، ورغم كثرة المتقدمين الذين هم بالمئات استطاع من بين عدد قليل أن يكون أحد المقبولين وحقق نجاحاً ممتازاً في عمله، وعمل في مجال زراعة وبحوث "النخيل"، وتميز ليس على مستوى دولة قطر وإنما على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي ككل، بسبب جده وإخلاصه في العمل، أتمنى له كل التوفيق والنجاح».