لعبت سجلات الرقم في الحضارات التي قامت في منطقة الفرات الوسط على حفظ اللغة التي كتبت بها لفترات امتدت حتى وقتنا الحالي، وهذا الحفظ لا يشمل بقاء الرقم بصورة قابلة للقراءة فحسب، إنما هو حفظ لمفردات اللغة التي كتبت بها هذه الرقم.

eSyria عمد إلى تكوين نظرة متكاملة عن هذا الموضوع من خلال لقائه بعض المختصين، فالتقى بداية الباحث الآثاري "يعرب العبد الله"، الذي أعطانا فكرة عن بعض سجلات الرقم في وادي الفرات بالقول:

تعد أهم سجلات الرقم في وادي الفرات هو ما تم العثور عليه في مملكة "ماري"، إذ تم الكشف أيضاً عن أرشيف ضخم في قصر الملك "زمري ليم"، والذي يرجع إلى الألف الثاني قبل الميلاد، ويتألف من حوالي 25 ألف رُقيم كُتبت بالخط المسماري، وباللغة الأكدية، ويشمل الأرشيف وثائق اقتصادية وإدارية ورسائل متنوعة. كما وجدت رقم أخرى تحوي نصوصا مسمارية في "ترقا" تل "العشارة"، قد دونت بالكتابة المسمارية واللغة الأكدية، وهي تبحث في موضوعات متنوعة "نقوش ملكية، عقود تجارية، نصوص دينية..الخ"

«تعد أهم سجلات الرقم في وادي الفرات هو ما تم العثور عليه في مملكة "ماري"، إذ تم الكشف أيضاً عن أرشيف ضخم في قصر الملك "زمري ليم"، والذي يرجع إلى الألف الثاني قبل الميلاد، ويتألف من حوالي 25 ألف رُقيم كُتبت بالخط المسماري، وباللغة الأكدية، ويشمل الأرشيف وثائق اقتصادية وإدارية ورسائل متنوعة.

الباحث ماهر دهمش

كما وجدت رقم أخرى تحوي نصوصا مسمارية في "ترقا" تل "العشارة"، قد دونت بالكتابة المسمارية واللغة الأكدية، وهي تبحث في موضوعات متنوعة "نقوش ملكية، عقود تجارية، نصوص دينية..الخ"».

وللحديث عن دور التدوين في حفظ بعض مفردات اللغة الأكدية حتى عصرنا الحالي التقينا الباحث "ماهر محمد سعيد دهمش" وهو حاصل على ماجستير في اللغات السامية- قسم اللغة العربية، ومدرس في كلية الآداب جامعة الفرات- قسم التاريخ، فحدثنا قائلاً:

الباحث الآثاري يعرب العبد الله.

«لابد أن للتدوين الدور الأكبر في المحافظة على اللغة الأكدية لفترات امتدت لآلاف السنين، حتى إن الكثير من الكلمات الأكدية لا تزال تستخدم في اللهجة المحكية لأبناء وادي الفرات في العصر الحالي، وقبل البدء بتعداد بعض هذه المفردات لابدّ من الإشارة إلى أن بعضها توارثتها اللهجة الفراتية كما هي لم يطرأ عليها أي تغيير سوى بعض التغييرات الصوتية الطبيعية، بينما أخذ بعضها الآخر المعنى المضادّ للكلمة، وهي ظاهرة طبيعية في لغات العالم جميعاً، ومنها العربية ولهجاتها التي استخدمت بعض الكلمات على هذا النحو، فعلى سبيل المثال استخدمت كلمة "البَيْن" بمعنى الفراق بينما استخدمت بعض لهجاتها الكلمة بمعنى اللقاء والتواصل، ومن هذه المفردات الكثير».

ويتابع "الدهمش" حديثه بالقول: «سنبدأ البحث بتعداد بعض المفردات التي أخذتها اللهجة العربية الفراتية من اللغة الأكدية وأبقتها على حالها دون تغيير ككلمة "سيباط": مسكن، مقرّ، مُقام، خيمة يتجمع بها الناس لمناسبة حزينة أو سعيدة: مفردة موجودة في اللغة الأكدية، من المصدر "subtum سكنى، إقامة، والفعل "sabat أقام".

رقيم مسماري من ماري

وقد جاءت تسمية مدينة "شوباط إنليل" أي "مسكن الإله إنليل" الأثرية الموجودة في الجزيرة السورية من هذا الجذر اللغوي.

  • "طخّى/ وطّخ": أخفض رأسه، دنا، لامسَ: مفردة موجودة في القواميس الأكدية ليس لها مقابل في القواميس العربية، من الجذر الأكدي "tehu" دنا، لامس".

  • "فلَّخ": خاف وهرب مسرعاً: جاءت هذه الكلمة في الأكدية من الجذر "palah خاف" والمصدر منه "palahum" أي "الخوف والفزع". والمعجمات العربية ومنها تاج العروس، تشير إلى أن الفعل "فلَّخ" يعني ضرب».

  • ومن المفردات الفراتية ما أخذ معنى معاكساً للمعنى الأصلي وهو ما سمي في علوم العربية "التضادّ" وهي ظاهرة طبيعية في اللغة، إذ يذكر "الدهمش" بعض هذه المفردات بقوله: «أهمّ المفردات في هذا الصدد "علَّصَ": أي "انزعج وحنق وغضب": وردت هذه الكلمة في الأكدية بمعنى معاكس elesu: أي "ابتهج، سُرَّ". ولم تثبت المعجمات العربيّة هذا الفعل أو معاكسه في المعنى على الرغم من أن العربية أثبتت أفعالاً متضادّة أخرى كثيرة على سبيل المثال: وثبَ: قفز/ استقرّ، هذا الفعل الموجود في الأكدية بمعنى "استقر": wasabu.

  • شخَّر: أصدر صوتاً من الحلق أو الأنف: ترد هذه الكلمة في الأكدية بمعنى معاكس "suharrura": صمتَ".
  • ولا ترد هذه الكلمة في المعجمات العربية القديمة، والروايات التي تورد هذه الكلمة أو أحد مشتقاتها، كالأغاني والحماسة البصرية توردها لشاعر أو كاتب فراتي، كما حدث في كتاب الحماسة البصرية لصاحبه البصري "659 هـ" في روايته شعراً نسبه لأحد أولاد "رَوْح بن زنباع الجذامي"، يصف منزلاً خالياً في مدينة "الدير" ذاكراً الرصافةَ و"هشام بن عبد الملك"، يقول: «أيا منزلاً بالدير أصبح خالياً/ تَلاعَبُ فيه شمألٌ ودَبورُ

    وحولك راياتٌ لهم وعساكرٌ/ وخيلٌ لها بعدَ الصهيلِ شخيرُ

    ليالٍ هشامٌ بالرصافةِ قاطنٌ/ وفيكَ ابنُهُ يا ديرُ وهو أميرُ».