الدراسات الأكاديمية الخاصة بالفرات الأوسط تكاد تكون مفقودة، على الرغم من كل ما تتمتع به هذه المنطقة من أهمية اقتصادية واجتماعية وزراعية.

eSyria حاول الإجابة عن هذا التساؤل المهم من خلال محاورته لبعض الباحثين في المنطقة، والبداية كانت مع الباحث الدكتور "عدنان عويّد" الرئيس السابق لتحرير جريدة الفرات، والذي كانت له قراءته الخاصة لهذه الموضوع، فهو يرى أن المشكلة ليست بقلة الدراسات إنما بنوعية الدراسات التاريخية التي كتبت عن "الفرات الأوسط"، إذ يقول موضحاً ذلك:

ندعو المسؤولين وصناع القرار في قطرنا العربي السوري أن يولوا المنطقة جل اهتماماتهم، فالمنطقة خصبة من النواحي العلمية والتراثية والتاريخية، وخصبة بالموارد، وتعد بالمزيد بإذن الله

«هناك عدد كبير من الباحثين المحليين تناول بكتبه التاريخ الحديث للمنطقة، ولكن أسماء تعدّ على أصابع اليد الواحدة هم من توخوا البحث العلمي الموضوعي في كتاباتهم، إذ حاول البعض أن يجعل من الكتابة عن المنطقة أسلوباً لتمجيد فئات اجتماعية معينة "عشائر"، سكان بعض القرى، أو المدن...الخ" على حساب الأخرى أو أفراد معينين على حساب أفراد آخرين.

الباحث والمترجم أسعد الفارس

إذاً ما نحن بحاجة إليه لصياغة التاريخ الحديث في المنطقة هو جهد بحثي يقوم به كتاب يعتمدون أدوات البحث العلمي في تناولهم للأحداث».

كما أشار "العويد" إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه جامعة "الفرات" في توثيق وصياغة تاريخ الفرات الأوسط والجزيرة السورية بقوله:

الأستاذ آصف الشويخ

«تستطيع الجامعة كمؤسسة بحثية أن تعقد المؤتمرات والندوات التي تتناول تاريخ المنطقة في العصر الحديث، والاستفادة من نتائج هذه الندوات في البحث العلمي سواء أكان في بحوث الأساتذة أم الطلبة بدءاً من حلقات البحث وانتهاءً برسائل الماجستير والدكتوراه».

الباحث الأستاذ "أسعد الفارس" رأى أن معالجة هذا الموضوع تتطلب دراسة مجموعة من النقاط أولها هو غياب المؤسسة البحثية، إذ يقول مبيناً ذلك: «أنتم في الحقيقة قد وضعتم يدكم على الجرح، فهذه المنطقة منسية وتائهة بين إقليمين أو ثلاثة أقاليم عربية "أعني منطقة دير الزور بالذات": بين بادية الشام، والعراق، والجزيرة الفراتية، على الرغم من تاريخها الحضاري العريق، وإمكانياتها المادية الكبيرة، وثروتها النفطية والاقتصادية.

لقد قامت في هذه المنطقة مملكة "ماري" المشهورة، وحضارة "ترقى"، وصدرت للعالم الحبوب والغلال وتطورت فيها الزراعة، وسكنتها موجات من الشعوب السامية الراقية، وليس مستغرباً، فالحضارات العظيمة كانت تقوم على الأنهار العظيمة، ونهر الفرات الذي يمر في ربوعنا لا يزال نهر الخير والعطاء، وهو هبة من الله عظيمة لا نزال نجهل أهميتها حتى الآن.

والحل المناسب لتفعيل النشاط البحثي عن منطقتي الجزيرة والفرات، هو أن تقام في المنطقة مراكز للتوثيق العلمي والتاريخي والتراثي، وأن تخصص الجامعات التي قامت في منطقة الجزيرة والفرات قدراً مناسباً من أبحاثها لبيئة الفرات، وموارد الفرات، ولعلوم النبات والحيوان في هذه المنطقة، ولأدب وتاريخ وتراث أهل الفرات، وما حك جلدك مثل ظفرك، فالخبراء والباحثون من أبناء الفرات هم المعنيون بذلك».

ويشير "الفارس" إلى نقطة مهمة وهي ضرورة أن يولي المسؤولون منطقة الفرات الأوسط مزيداً من الاهتمام، وذلك لما يتمتع به هذا المكان من مزايا بقوله: «ندعو المسؤولين وصناع القرار في قطرنا العربي السوري أن يولوا المنطقة جل اهتماماتهم، فالمنطقة خصبة من النواحي العلمية والتراثية والتاريخية، وخصبة بالموارد، وتعد بالمزيد بإذن الله».

ويضرب لنا الباحث "أسعد الفارس" مثالاً من تجربته الشخصية على نماذج من كتب لمؤلفين أجانب قام بترجمتها دعماً لمعرفة المزيد عن تاريخ وادي الفرات في العصر الحديث بقوله: «قد يخطر لسائل أن يسأل: ماذا قدمت أنت في هذا المجال؟ فعلى الرغم من أني كتبت الكثير عن المنطقة، إلا أن ما أعتز به كتابان:

  • ترجمة كتاب ترحال الأديبة البريطانية "آن بلنت" عبر المنطقة عام 1878 بعنوان "قبائل بدو الفرات" بالتعاون مع "نضال خضر المعيوف"، ففيه أخبار علمية وتراثية وتاريخية هامة عن "ديرالزور" ومنطقة الشرق الأوسط في ذلك الوقت.

  • كشفت أخبار أخطر ضابط استخبارات بريطاني تجسس في المنطقة قبل الحرب العالمية الأولى "ليشمان" المدعو "نيجيمان الفرات"، وقاد الحرب على محافظة دير الزور عام 1920، لقد كانت حياة هذا الرجل سراً ولغزاً من أسرار المنطقة قمت بكشفه في كتابي الأخير: "ليشمان والدرب الطويل إلى بغداد"».

  • وهناك نقطة مهمة يجب معالجتها نوه إليها الباحث الاجتماعي "آصف الشويخ" حينما سألناه عن أسباب ندرة الدراسات البحثية التي تتناول منطقتنا في العصر الحديث، وهي عدم وجود "أنثربولوجيين" (الأنثربولوجيا: هي علم دراسة الإنسان ضمن حيز زماني ومكاني معين) عرب متخصصين بدراسة المنطقة، إذ يقول: «بقيت الدراسات "الأنثربولوجية" المتعلقة بالفرات الأوسط والمنطقة العربية عموماً حكراً على المستشرقين الذين هم غالباً ما يجيرون هذه الدراسات بطريقة تخدم مصالح دولهم، وما نحتاجه هو وجود "أنثربولوجيين" عرب متخصصين لأن علم "الأنثربولوجيا" هو مفتاح مهم لمعرفة الحقائق التاريخية والفكرية والاجتماعية لهذه المنطقة، وخصوصاً أن هناك رغبة لأغلب شعوب العالم لإعادة قراءة التاريخ من جديد في ظل ثورة المعرفة التي نعيشها».