اعتاد أهالي "ديرالزور"، أن يحيوا ليلة النصف من "شعبان" أو كما يسمونها ليلة "المحياة"، بالكثير من العبادات والعادات الروحانية، لما لهذه الليلة من فضل كبير، دلت عليه العديد من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية، وللتعرف على فضائل هذه الليلة والعبادة المحببة فيها.

موقع eDeiralzor أجرى عددا من اللقاءات وكانت البداية مع الشيخ "إياد النقشبندي" مدير أوقاف "ديرالزور" ومفتي المحافظة الأسبق والذي حدثنا قائلاً:

ننتظر هذه الليلة كل عام بفارغ الصبر، على اعتبارها الليلة الوحيدة التي نلعب بها بالألعاب النارية، حيث نشكل مجموعة من أبناء الحارة، ونذهب لمحاربة شباب الحارات الأخرى، وبالمقابل نتعرض نحن أيضاً لهجوم أطفال الحارات الأخرى

«تمتاز ليلة النصف من "شعبان" من غيرها من الليالي، بأن الله سبحانه وتعالى يتنزل فيها إلى السماء الدنيا من الغروب إلى طلوع الفجر، وأنه يغفر فيها لأكثر من عدد شعر غنم "كلب"- قبيلة معروفة بكثرة غنمها- وأنه يستجيب بها الدعاء، وفيها كان تحويل القبلة من المسجد "الأقصى" إلى المسجد "الحرام"، كما تكتب فيها الأعمال والآجال والأرزاق، ويقضي فيها الأقضية.

الشيخ اياد النقشبندي

وقد روي عن سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول ألا من مستغفر لي فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلي فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر.

وذكر "العراقي" في "فيض القدير": مزية ليلة نصف "شعبان"، مع أن الله تعالى ينزل كل ليلة، أنه ذكر مع النزول فيها وصف آخر لم يذكر في نزل كل ليلة وهو قوله فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم "كلب"، وليس ذا في نزول كل ليلة، ولأن النزول في كل ليلة مؤقت بشرط الليل أو ثلثه، أما فيها فمن الغروب، والتنزل هنا تنزل رحمة.

ويستحب في هذه الليلة الإكثار من قراءة "القرآن الكريم" وخصوصا سورة "يس" ثلاث مرات، الأولى بنيَّة طول العمر مع التوفيق للطاعة، والثانية بنيَّة الخلاص من الآفات والأمراض النفسية والقلبية والجسدية، والثالثة بنيَّة سعة الرزق وغنى القلب وحسن الخاتمة، وقراءة المعوذات، والإكثار من الصلاة والسجود- قدر المستطاع- وصلاة "التسابيح"، والإكثار من الاستغفار، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بأي صيغة كانت، ثم قراءة الدعاء المأثور: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم يا ذا المنّ ولا يمنّ عليه يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطول والإنعام، لا إله إلا أنت ظهر اللاجئين، وجار المستجيرين، وأمان الخائفين، اللهم إن كنت كتبتني عندك في أمّ الكتاب شقّيا أو محروما أو مطرودا أو مقتّرا علّي في الرزق، فامح اللهم من أمّ الكتاب شقاوتي وحرماني وتقتير رزقي، وأثبتني عندك سعيدا مرزوقا موفقا للخيرات، فإنّك قلت وقولك الحق، في كتابك المنزّل، على لسان نبيك المرسل: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب، إلهي بالتجلّي الأعظم، في ليلة النصف من شعبان المكرّم، التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم، أكشف عنّي من البلاء ما أعلم وما لا أعلم، واغفر لي ما أنت به أعلم إنك أنت الأعزّ الأكرم، وصلّى الله تعالى على سيدّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.

وهنالك أدعية أخرى كثيرة مثل: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت،...الخ».

وللتعرف على العادات التي يتبعها أهالي "ديرالزور" في مثل هذه الليلة التقى الموقع الباحث "زبير سلطان" والذي حدثنا قائلاً:

«يطلق أهالي "ديرالزور" على ليلة النصف من "شعبان" تسمية ليلة "المحياة" لأنهم يحيونها بالعبادات، حيث كانوا يستعدون لها ويهيئون أطايب الطعام، وينتظم الشباب في مجموعات لاحياء هذه الليلة، ويجبون الشوارع مع إطلاق المفرقعات والألعاب النارية، فيما تذهب الفتيات إلى النهر عند المغيب ليقمن بتطويف الشموع، حيث يكون شاطئ "الفرات" في تلك الليلة مملوءاً بالناس ومنظر الشموع فوق سطح الماء يبعث في النفس الأمل، وقد انقرضت هذه العادة- تطويف الشمع- واقتصرت ليلة المحياة في هذه الأيام الحالية على الاحتفال داخل البيت لكل العائلة مع شراء بعض المفرقعات للأطفال مع حفل من الحلويات والفواكه وطعام خاص بهذه الليلة، على اعتبار أن أغلب العائلات تكون صائمة».

كما التقى الموقع الطفل "محمد فتيح" والذي حدثنا عن هذه الليلة قائلاً:

«ننتظر هذه الليلة كل عام بفارغ الصبر، على اعتبارها الليلة الوحيدة التي نلعب بها بالألعاب النارية، حيث نشكل مجموعة من أبناء الحارة، ونذهب لمحاربة شباب الحارات الأخرى، وبالمقابل نتعرض نحن أيضاً لهجوم أطفال الحارات الأخرى».

أما السيد "طارق الحمود" فقال: «من الأخطاء التي تحدث في هذه الليلة استغلال تجار المفرقعات للأطفال، حيث لا يفرقون بين صغير وكبير ويصبح همهم تصريف بضائعهم بأي وسيلة، فيقومون ببيع الصغار الألعاب التي لا تناسب عمرهم، وهذا الأمر يتسبب بالكثير من الأضرار على حياة الأطفال الذين لا يدركون خطورة هذه الألعاب، فكثيراً ما نسمع بأشخاص فقئت عيونهم أو أصيبوا بأضرار كبيرة في وجوههم أو أجسادهم».