التطوع.. ما زالت هذه الفكرة تسبب جدلاً بين الناس، فمنهم من يفسرها أو يراها "برستيج" اجتماعي، والبعض يراها غاية وليست هدفاً، وهناك أيضاً من يؤمن بها ويضعها على رأس هرم الصفات الحميدة في الإنسان.

وللوقوف على المعنى الحقيقي لهذا المصطلح- التطوع- توجه موقع eSyria إلى المتطوع في إحدى الفعاليات الدكتور "عبد الناصر الجاسم" بتاريخ 5/12/2009، والذي كان قد أعد بحثاً حول موضوع "دور العمل التطوعي في تنمية المجتمع"، فعرف د."الجاسم" التطوع بما يلي:

التطوع كعمل خيري هو وسيلة لراحة النفس والشعور بالاعتزاز والثقة بالنفس عند من يتطوع، وذلك لأنه فعالية تقوي عند الأفراد الرغبة بالحياة والثقة بالمستقبل، حتى إنه يمكن استخدام العمل التطوعي لمعالجة الأفراد المصابين بالاكتئاب والضيق النفسي والملل، لأن التطوع في أعمال خيرية للمجتمع يساعد هؤلاء المرضى في تجاوز محنتهم الشخصية والتسامي نحو خير يمس محيط الشخص وعلاقاته، ليشعروا بأهميتهم ودورهم في تقدم المجتمع الذي يعيشون فيه، ما يعطيهم الأمل بحياة جديدة أسعد حالاً

«التطوع ما تبرع به الإنسان من ذات نفسه مما لا يلزمه فرضه.

د. عبد الناصر الجاسم

وقد جاء في لسان العرب لابن منظور أمثلة: جاء طائعاً غير مكره، ولتفعلنّه طوعاً أو كرها.. قال تعالى: "فمن تطوع خيرا فهو خير له".

والعمل التطوعي هو ممارسة إنسانية ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بكل معاني الخير والعمل الصالح عند كل المجموعات البشرية منذ الأزل، ولكنه يختلف في حجمه وشكله واتجاهاته ودوافعه من مجتمع إلى آخر، ومن فترة زمنية إلى أخرى.

فمن حيث الحجم، فهو يقل في فترات الاستقرار والهدوء، ويزيد في أوقات الكوارث والنكبات والحروب، ومن حيث الشكل فقد يكون جهداً يدوياً وعضلياً أو مهنياً أو تبرعاً بالمال أو غير ذلك، أما من حيث الاتجاه، فقد يكون تلقائياً أو موجهاً من قبل الدولة في أنشطة اجتماعية أو تعليمية أو تنموية، وقد تكون دوافعه نفسية أو اجتماعية أو سياسية».

التطوع فائدة للطرفين

وقال د. "الجاسم":

«التطوع كعمل خيري هو وسيلة لراحة النفس والشعور بالاعتزاز والثقة بالنفس عند من يتطوع، وذلك لأنه فعالية تقوي عند الأفراد الرغبة بالحياة والثقة بالمستقبل، حتى إنه يمكن استخدام العمل التطوعي لمعالجة الأفراد المصابين بالاكتئاب والضيق النفسي والملل، لأن التطوع في أعمال خيرية للمجتمع يساعد هؤلاء المرضى في تجاوز محنتهم الشخصية والتسامي نحو خير يمس محيط الشخص وعلاقاته، ليشعروا بأهميتهم ودورهم في تقدم المجتمع الذي يعيشون فيه، ما يعطيهم الأمل بحياة جديدة أسعد حالاً».

وللتطوع شكلان حسب د."الجاسم":

«الشكل الأول هو السلوك التطوعي، ويقصد به مجموعة التصرفات التي يمارسها الفرد وتنطبق عليها شروط العمل التطوعي ولكنها تأتي استجابة لظرف طارئ، أو لموقف إنساني أو أخلاقي محدد، مثال ذلك أن يندفع المرء لإنقاذ غريق يشرف على الهلاك، أو إسعاف جريح بحالة خطر إثر حادث ألمّ به، في هذه الظروف يقدم المرء على ممارسات وتصرفات لغايات إنسانية صرفة أو أخلاقية أو دينية أو اجتماعية، ولا يتوقع الفاعل منها أي مردود مادي.

أما الشكل الثاني من أشكال العمل التطوعي فيتمثل بالفعل التطوعي الذي لا يأتي استجابة لظرف طارئ بل يأتي نتيجة تدبر وتفكر مثاله الإيمان بفكرة تنظيم الأسرة وحقوق الأطفال بأسرة مستقرة وآمنة، فهذا الشخص يتطوع للحديث عن فكرته في كل مجال وكل جلسة ولا ينتظر إعلان محاضرة ليقول رأيه بذلك، ويطبق ذلك على عائلته ومحيطه.

كما يمكن التمييز بين شكلين أساسيين من أشكال العمل التطوعي:

1- العمل التطوعي الفردي: وهو عمل أو سلوك اجتماعي يمارسه الفرد من تلقاء نفسه وبرغبة منه وإرادة ولا يبغي منه أي مردود مادي، ويقوم على اعتبارات أخلاقية أو اجتماعية أو إنسانية أو دينية.

2- العمل التطوعي المؤسسي: وهو أكثر تقدماً من العمل التطوعي الفردي وأكثر تنظيماً وأوسع تأثيراً في المجتمع.

وفي المجتمع مؤسسات كثيرة يحتل فيها العمل التطوعي أهمية كبيرة وتسهم في تطوير المجتمع مثل الجمعيات والمؤسسات الأهلية والحكومية، إذ إن العمل المؤسسي يسهم في جمع الجهود والطاقات الاجتماعية المبعثرة، فقد لا يستطيع الفرد أن يقدم عملاً محدداً في سياق عمليات محو الأمية، ولكنه يتبرع بالمال، فتستطيع المؤسسات الاجتماعية المختلفة أن تجعل من الجهود المبعثرة متآزرة ذات أثر كبير وفعال».

وفي الختام، قدم الدكتور "الجاسم"، مجموعة من المقترحات التي من شأنها تطوير العمل التطوعي مثل:

أهمية تنشئة الأبناء تنشئة اجتماعية سليمة، وذلك من خلال قيام وسائط التنشئة المختلفة كالأسرة والمدرسة والإعلام بدور منسق ومتكامل الجوانب في غرس قيم التضحية والإيثار وروح العمل الجماعي في نفوس الناشئة منذ مراحل الطفولة المبكرة.

وضرورة أن تضم البرامج الدراسية للمؤسسات التعليمية المختلفة بعض المقررات الدراسية التي تركز على مفاهيم العمل الاجتماعي التطوعي وأهميته ودوره التنموي ويقترن ذلك ببعض البرامج التطبيقية، ما يثبت هذه القيمة في نفوس الشباب مثل حملات تنظيف محيط المدرسة أو العناية بأشجار المدرسة أو خدمة البيئة.

إضافة إلى دعم المؤسسات والهيئات التي تعمل في مجال العمل التطوعي مادياً ومعنوياً بما يمكنها من تأدية رسالتها وزيادة خدماتها، والتركيز في الأنشطة التطوعية على البرامج والمشروعات التي ترتبط بإشباع الاحتياجات الأساسية للمواطنين، الأمر الذي يساهم في زيادة الإقبال على المشاركة في هذه البرامج، وتدعيم جهود الباحثين لإجراء المزيد من الدراسات والبحوث العلمية حول العمل الاجتماعي التطوعي، ما يسهم في تحسين واقع العمل الاجتماعي بشكل عام والعمل التطوعي بشكل خاص.

جدير بالذكر أن د."الجاسم" حاصل على دكتوراه في إدارة الأعمال، وهو أستاذ محاضر في كلية الاقتصاد بجامعة "الفرات" بـ"دير الزور".