احتلت المرأة الفراتية مكانة خاصة بين قرينات عصرها، فكانت تملك من عزائم الأمور ما يفتقده بعض الرجال، وهو ما جعلها تشاطر الرجال في أعمالهم، فكانت الأم والأخت والزوجة والتاجرة والأديبة والمديرة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 28 نيسان 2015، المتقاعد "جودت سلمان" من أهالي "دير الزور"، فقال: «كانت المرأة الديرية فيما مضى لا تقل شأناً عن الرجل بل على العكس هناك نساء تفوقوا على الرجال وأثبتن وجودهن في المجتمع وساهمن مساهمة فعالة بنشاطات وأعمال مختلفة، واستطعن ترك بصماتهن، وأسماؤهن التي ترددت وما زالت تذكر إلى يومنا هذا في "دير الزور"».

بداية أشتري ليف "القنب" من محال الجملة وأعمل على تنظيفه، ثم أجعل من الليف خيوطاً وذلك باستخدام "الدوك"؛ وهو آلة خشبية تستخدم إجمالاً في عملية النسج، وبعدها أنتقل إلى المرحلة النهائية التي تتضمن نسج الليفة وذلك عن طريق المخرز الخشبي

ويضيف: «من النسوة من عملن بالتجارة وخاصة تجارة الأقمشة التي كانت سائدة آنذاك واشتهرن وبرعن فيها؛ حتى إن الحارة التي كن يمارسن بها هذه المهنة سميت بأسمائهن، ومن هؤلاء النسوة على سبيل المثال: السيدة "خاتون"، والسيدة "خيورة البلوص"، وفرحة "العطية". ومن التاجرات المعروفات بالدير "حسينة الحميدي الخرابة" وهي تاجرة حبوب وحنطة وتاجرة قماش بآخر أيامها اعتزلت التجارة بعد أن فقدت بصرها وكان لديها دَين على بعض نسوة "الدير" فكانت تأخذ أحد أحفادها وتطلب منه أن يقرأ لها أسماء من عليهم دَين فتذهب إلى بيوتهن وتسترد الديون التي عليهن».

جودت سلمان

ويختم بالقول: «إضافة إلى الخياطة المأجورة هناك أيضاً نساء يتاجرن بالسجاد والأدوات المنزلية وغيرها، ونجد كذلك نساء اتخذن مهنة بيع "الطرشي" أي المخلل في المنازل وخاصة في الصيف، حيث تكثر الخضار؛ فكن يملأن الخوابي الفخارية الكبيرة بالخضار كـ"الخس والجزر والشلغم والشوندر" ويضفن إليه المواد اللازمة ويتركونها تحت أشعة الشمس حتى تنضج ثم يقمن ببيعها، وعند الظهيرة تجد الأطفال عند بائعة "الطرشي" يحملون الأواني والصحون لشرائه لطعمه الشهي ومائه اللذيذ».

ويشير التاجر "فياض حسن" بالقول: «ساهمت المرأة الديرية في الكثير من الأعمال ووقفت مع الرجل وخاصة حين يمر الرجل بضائقة مادية؛ فكانت عوناً له من خلال هذه الأعمال إضافة إلى اهتمامها بالأطفال وتربيتهم، حيث احتلت المرأة بـ"دير الزور" مكانة مرموقة وخاصة بمنافستها للرجال في سوق العمل وتوليها مناصب إدارية وقيادية، ودخلت القطاع المالي حتى أضحت أغلب مصارف "دير الزور" تديرها نساء».

امرأة تعمل بنسيج الليف

ويشير الباحث "خالد الحسين" من أهالي "الدير" بالقول: «هناك الكثير من الأطفال أو الشباب في "الدير" كانوا ومازالوا يتكنون باسم والدتهم فيقال: "فلان ابن فلانة، أو فلان أخو فلانة"؛ وهو دليل على شهرة المرأة ومهارتها ويغلب اسمها على اسم الرجل، وهناك أمثال تضرب على المرأة العاملة في "دير الزور"، ومنهن "من تعرف فطيم بسوق الغزل" فطيم امرأة فراتية، أي من يعرفها إذا ذهبت لتبيع غزلها في سوق الغزل لكثرة النساء».

وبينت مدرسة اللغة العربية "نجوى الحاجي" من أهالي "دير الزور" التي قالت: «المرأة الفراتية إنسانة أكثر من قوية تتحدى الظروف؛ فهي كشجرة النخيل الذي يعيش رغم صعوبة الظروف، ولدينا الكثيرات من المبدعات الفراتيات ليس في مجال الأعمال فقط بل في كل مجالات الحياة، ومنها الأدبي أمثال: "تروندا منديل"، و"شذا برغوث" ولهما لمسات رائعة، والقاصة "عبير عزاوي"، و"أماني المانع" فكتاباتها معزوفات رائعة، وكذلك الشاعرة "هنادي" المتمكنة، وكذلك "سميرة بدران"، و"جهان مشعان" فهما تمتلكان قلماً مبدعاً أتوسم فيهما كل خير، وهناك الكثيرات من الأديبات».

الباحث خالد الحسين

لا تزال بعض المهن في "دير الزور" حكراً على النساء ومنها "نسيج الليف" وتشير السيدة "هنوف الموسى" ممن امتهنّ تلك المهن: «بداية أشتري ليف "القنب" من محال الجملة وأعمل على تنظيفه، ثم أجعل من الليف خيوطاً وذلك باستخدام "الدوك"؛ وهو آلة خشبية تستخدم إجمالاً في عملية النسج، وبعدها أنتقل إلى المرحلة النهائية التي تتضمن نسج الليفة وذلك عن طريق المخرز الخشبي».

ويشير الباحث "عبد القادر عياش" في مجلة "صوت الفرات" بالقول: «أخذت المرأة الفراتية دورها الفعال في المجتمع، فالمرأة في وادي الفرات تنتمي إلى قبائل عربيّة سكنت واديه وحافظت على طباعها وتقاليدها، إلا أنّ الظّروف الاقتصاديّة والحالات الاجتماعيّة والبيئة الجغرافيّة والمستوى الحضاري ليست واحدة لجميع نساء الوادي ولا متقاربة، وإنّما متفاوتة، حيث تقسم المرأة في وادي الفرات إلى ثلاث فئات: الريفية، التي تعمل في الأرض والفلاحة وتصنع السّمن والجبن، وتغزل الصّوف والشّعر. والبدوية بأعمال صعبة مثل تقطيع اللحم وقت العزائم، ورعي الغنم، وحلب الإبل، وجلب الماء إلى بيت الشعر. والحضرية التي احتلت مكانة اجتماعية في المجتمع وأصبح لها ما تريد "نصف المجتمع" في كافة مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية».