للمرأة الديرية مكانة مرموقة في المجتمع الفراتي، وهذه المكانة المميزة لها أسبابها وأحداثها التاريخية التي كان للمرأة دور بارز فيها، فهناك الكثير من العشائر والعائلات التي تنتخي وتتكنى بالمرأة، ولهذه الظاهرة مدلولاتها الاجتماعية.

"عدلة، سعدى، الكجلة، الخنة، حنكه، صبحة، شبكة، السمره، هدله، وضحه، نوره، شمسه، سمحه، ردسة، بطة، خرسا"، تعد هذه الأسماء من النساء وغيرها الكثير نخوة الديريين ريفاً ومدينة؛ فهم ينتخون ويتكنون بالمرأة التي هي من صلبهم تحديداً، وهذه الظاهرة لها معالمها الواضحة التي تتعلق بقوة شخصية المرأة وما اشتهرت به من أعمال وأقوال، منها ما يكون على نطاق اجتماعي محدود وأخرى على نطاق اجتماعي شامل، مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 26 آذار 2015، التقت الشاب "رامي النوارة" من حي "الشيخ ياسين" ليحدثنا عن مكانة المرأة في المجتمع الفراتي بالقول: «هناك الكثيرات من النساء الديريات اللواتي كان لهن دورهن المميز والبارز في كافة مجالات الحياة وعلى مختلف الصعد؛ اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ودينياً وتربوياً وثقافياً وحتى رياضياً، وهذا الدور البارز للمرأة الديرية منحها مكانتها المرموقة بين أهلها وذويها؛ وهو ما جعل التكنّي بها مفخرة أمام المجتمع، وهناك أيضاً العديد من الأسباب التي دفعت المجتمع الديري إلى التكني بالمرأة والنخوة باسمها وإعطائها دورها ومكانتها المميزة، وأحد هذه الأسباب قد يكون الأب من بلد آخر غريباً عن "دير الزور" فلا يكون معروفاً للكثيرين فيضطر الشخص أن يعرف نفسه بأخواله عند الديريين فيدرج عليه نسبته لأمه، والسبب الثاني سكن الفتاة بعد زواجها في حي أهلها فيصير الجد والجدة يقولون عن الولد ابن فلانة؛ فاسم أمه أسهل على ألسنتهم فتصير النسبة لهم بين أهل الحي، وكثير من العائلات صارت نسبتها لأمهات أو جدات، وخصوصاً إذا كانت الأم ذات شخصية مرموقة ولها صيت ذائع عند أهل الحي».

هناك الكثيرات من النساء الديريات اللواتي كان لهن دورهن المميز والبارز في كافة مجالات الحياة وعلى مختلف الصعد؛ اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ودينياً وتربوياً وثقافياً وحتى رياضياً، وهذا الدور البارز للمرأة الديرية منحها مكانتها المرموقة بين أهلها وذويها؛ وهو ما جعل التكنّي بها مفخرة أمام المجتمع، وهناك أيضاً العديد من الأسباب التي دفعت المجتمع الديري إلى التكني بالمرأة والنخوة باسمها وإعطائها دورها ومكانتها المميزة، وأحد هذه الأسباب قد يكون الأب من بلد آخر غريباً عن "دير الزور" فلا يكون معروفاً للكثيرين فيضطر الشخص أن يعرف نفسه بأخواله عند الديريين فيدرج عليه نسبته لأمه، والسبب الثاني سكن الفتاة بعد زواجها في حي أهلها فيصير الجد والجدة يقولون عن الولد ابن فلانة؛ فاسم أمه أسهل على ألسنتهم فتصير النسبة لهم بين أهل الحي، وكثير من العائلات صارت نسبتها لأمهات أو جدات، وخصوصاً إذا كانت الأم ذات شخصية مرموقة ولها صيت ذائع عند أهل الحي

كما بين الشاعر "خالد الفرج" دور المرأة الديرية والدافع وراء تكني بعضهم بها بالقول: «إن التكني والنخوة بالمرأة أصيل بين سكان وادي الفرات، ويقص السكان الكثير من القصص حول أثر هذا التكني وهذه الظاهرة ليست فقط في "الدير" كمدينة وإنما في الريف أيضاً، فجميع القبائل والعشائر تنتخي باسم امرأة وليس باسم رجل؛ فلكل عشيرة أو قبيلة شيخ، ولكن هناك نداءات خاصة لهم تكون المرأة أساساً بها مثل: "أخو صبحة، أخو ردسة، أخو بطة"، ...إلخ، ولا ننسى القول: "هذا ذيب شلوا أخو أختو"، ولا يقولون أخو أخوه"، "وأنا أبو فلانة أو أخو فلانة"، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مكانة المرأة في مجتمعنا الفراتي، فقد برز دور المرأة الفراتية وخاصة الديرية في المجتمع جنباً إلى جنب مع الرجل، لا بل فاقته في بعض الأحيان لارتباطها بالعمل في الحقل جنباً إلى جنب مع شريكها الرجل؛ وهذا ما أعطاها الجرأة، كما شاركت الرجل أيضاً حتى في القتال ضد الطامعين من المستعمرين الغزاة بخيرات الفرات، وهذا الدور يعود إلى قوة شخصية المرأة التي تتميز بها، حتى بات "الديريون" يتكنون بأسماء الأمهات، والرجال عند الشدة يذكرون اسم أختها لشد العزم، ويقال عند القتال أو المصيبة: "أنا أخو فلانة"؛ وهذا يدل على اعتزاز أهل الدير بنسائهم الطاهرات الشريفات التي كما يقال بالمثل العام: "أخت رجال ترفع الرأس"، ووراء ذلك أيضاً وفاة الرجال بوقت مبكر واضطلاع المرأة بمهام جسيمة وقدرتها على التفوق والتميز».

رامي النوارة

وقد أجاب الباحث والأديب "محمد رشيد الرويللي" صاحبه عندما سأله عن أسباب الانتخاء والتكني بالمرأة الديرية؛ وذلك من خلال حوار دار بينهما في مقالته المنشورة في صحيفة الفرات بتاريخ 28 كانون الثاني 2010؛ حيث سأله صاحبه: "كنت أعد العشائر الذين ينتخون بالأنثى فوجدتكم تنتخون بـ"الخرسا"، وغيركم بـ"فاطمة"، وآخرين بـ"ردسة وهدلة وبطة"، ..إلخ، ثم عددت أسماء العائلات الديرية التي تلتصق الأنثى بها دون الرجل فوجدتهم كثيرين "حيزة، غفرة، كنامة، سارة، نوارة، ستيتة، جوزة"، ..إلخ، فأذهلني ذلك وأحب أن أتقصى كباحث عن السر لعلي أجد الجواب عندك؟! وقد فسر "الرويللي" ذلك لصاحبه بمجموعة من القصص البطولية التي قامت بها المرأة الديرية عبر التاريخ، ومن هذه القصص قصة "الخرسا"؛ حيث كان في عشيرتنا عائلة مستورة لديها عدد ضئيل من الخراف والنعاج تسرح بها ابنتهم، وكانت جميلة لكنها خرساء، وعندما ابتعد بعضها ركضت لتردهم وامتد الركض إلى ما وراء الجبل فانقض عليها أحد الأشرار الطامعين بها وحاول اغتصابها فقاومته دون جدوى، وعندما وجدت نفسها مغلوبة لا محالة استسلمت ولجأت إلى الخديعة، أشارت إليه أن يتعرى وبدأت بنفسها وعندما رأى مفاتنها شعر بالطمأنينة فخلع ملابسه على عجل واستلقى على عباءته، فاستلت الخرساء مدية كانت مخبأة في جيبها، وقطعت إحليله وتوابعه، وحملته في طرف ثوبها إلى حيث يجلس شيخ العشيرة مع ضيوفه، ثم وضعت "مديتها" المدماة أمامه، وألقت حملها، فبهت الحاضرون وكبروا وقبلوا رأسها ثم أشاروا إليها لتدلهم على مكان الرجل، فسارت بهم إلى مكان الحادثة فعرفوه وحملوه إلى أهله جثة هامدة، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت نخوتنا عند الملمات "أخوة الخرسا"، عندما توقفت عن الكلام قال صاحبي: و"أخوة فاطمة"، أرجوك ماذا تعني؟‏

أجبته بكل فخر: إنها البطلة المناضلة "فاطمة الجذمور" التي وقفت بكل ما تملك لتساعد الثوار، وتعيق تمكن الفرنسيين منهم، قال: وكيف؟ قلت: كانت تحمل دائماً بيديها طبقاً من مسحوق الفليفلة الحمراء الحارة تنثرها في وجوه الجنود الفرنسيين عندما يحاصرون الثوار، فتحرق عيونهم، فيطبق الثوار عليهم، ويغنمون أسلحتهم ولباسهم، اعتقلتها القوات الفرنسية وهي تقوم بواجبها فعذبوها عذاباً أليماً، وساقوها إلى سجن "الميه ميه" في بيروت، وأصبحت نخوة كل الثائرين وليس أهلها فقط".

الشاعر خالد الفرج
الأديب محمد رشيد رويللي