تستمد قوتها من صوتها الشجي والحزين، ومن حالة الحزن لدى أهل الميت وعدم قدرتهم على التعبير عن حزنهم فتتولى ذلك نيابة عنهم، "الندابة" شخصية تكاد تكون جزءاً من الموروث الذي يصعب تجاهله، أشهرهن في "الدير" "خرمة"، وعلى الرغم من الحزن الذي يغلف عملهن؛ إلا أن فيه بعض الطرائف.

مدونة وطن "eSyria" التقت الباحث في شؤون التراث وعضو لجنة حماية التراث "سراج جراد" بتاريخ 19 كانون الأول 2014، فقال: «على الرغم من التطور الذي حدث في المجتمع الديري بقيت "الندابة" صامدة وقاومت الزمن، وفي الأرياف تحديداً ظلت طقساً راسخاً يكاد يكون موروثاً فكرياً من الصعب تجاهله، وهي تستمد شرعيتها من حالة الأسى والحزن نفسها، حين يكون أهل المتوفى عاجزين عن التعبير وفي حالة صدمة، فتتولى هي هذا التعبير، لذلك هي محاطة بهالة من التوقير عند النساء الذين يملن إلى البكاء أكثر من الرجال، وأكبر دليل على تأثير الندابة في النفوس هو اسم "خرمة" الشهير الذي ألف فيه المؤرخ المرحوم "أحمد شوحان" كتاباً ذكر فيه سيرة حياتها، وعدداً من القصائد التي كانت تقولها وهي من تأليفها وتحولت هذه القصائد إلى منبع تنهل منه الندابات اللواتي أتين بعدها».

"الندابة" هي سيدة تتبرع لجبر خواطر أهل المتوفى فتقوم بغناء طقسي حزين تعدد فيه مناقب الميت وخصاله الحميدة، وفي أحيان كثيرة تكون ممتهنة لهذه المهنة فيستأجرها أهل المتوفى، كي ترثيه قبل وبعد وأثناء تشييع الجنازة، وتقوم أمام النساء بتعداد مناقبه ويكون الندب كحوار بين زوجة المتوفى أو أخته وبينها، فتقوم هي بذكر شيء عنه وتقوم الزوجة أو الأخت أو أخت الزوجة بالرد عليها مؤيدة ما قالت، وتتميز الندابة بالصوت القوي والحزين الذي يستجلب البكاء، والندب عبارة عن مقاطع موسيقية، يتكون كل مقطع من بيتين وينتهي بنفس الكلمة أو بكلمتين مترادفتين لكل بيت

ويضيف: «"الندابة" هي سيدة تتبرع لجبر خواطر أهل المتوفى فتقوم بغناء طقسي حزين تعدد فيه مناقب الميت وخصاله الحميدة، وفي أحيان كثيرة تكون ممتهنة لهذه المهنة فيستأجرها أهل المتوفى، كي ترثيه قبل وبعد وأثناء تشييع الجنازة، وتقوم أمام النساء بتعداد مناقبه ويكون الندب كحوار بين زوجة المتوفى أو أخته وبينها، فتقوم هي بذكر شيء عنه وتقوم الزوجة أو الأخت أو أخت الزوجة بالرد عليها مؤيدة ما قالت، وتتميز الندابة بالصوت القوي والحزين الذي يستجلب البكاء، والندب عبارة عن مقاطع موسيقية، يتكون كل مقطع من بيتين وينتهي بنفس الكلمة أو بكلمتين مترادفتين لكل بيت».

الباحث سراج جراد

وتقول السيدة "مفيدة الحاج عارف": «في خيم العزاء الحديثة التي اتخذت في السنوات الأخيرة طابعاً يقترب من العزاء الشامي لم يعد هناك وجود للندابة إلا نادراً، أقصد الندابة التي يتم استئجارها، أما دورها فصارت تقوم به قريبات المتوفى، وبقي في "الدير" عدد من الندابات العجائز اللواتي تحرص النساء على دعوتهن، ومنهن من تقضي معظم يومها في التنقل من عزاء إلى آخر وكأنها تعد هذا مهمة منوطة بها، أتذكر أن أشهر الندابات كانت "خرمة" وكان يتم استدعاؤها في وفيات كبار القوم والشخصيات المرموقة في المجتمع كي ترثيهم، ومن الطرائف التي حصلت معها أن أهل متوفى استدعوها لتعدد مناقبه فسألتهم عن عمله ومزاياه، فلم يتمكن أهل الميت نفسه من إيجاد مزايا جيدة له، فغادرت العزاء وهي تقول: (ماذا نقول فيه غير الله يرحمه؟)».

ويتابع الباحث "جراد" الكلام عن "الندابة" بالقول: «تأثير "الندابة" في النفوس قوي جداً، فهي تقول قصائدها الملأى بالأسى والشجن في جو مأساوي جميع القادمين إليه على استعداد نفسي مسبق للبكاء، خصوصاً أولئك الذين كانوا على صلة بالمتوفى ويعرفونه أو التقوه، ويميل الناس بوجه طبيعي إلى تذكر الأشياء الجيدة عن الراحلين، وهنا يكمن عمل "الندابة" التي تقوم بتذكيرهم بهذه الأشياء، كما أن الطقس نفسه يتيح لها دوراً يشبه القيادة والزعامة، لأنها تقوم بترديد قصائدها الملحنة بيتاً بيتاً وعلى جميع النساء المتواجدات من أقارب المتوفى الترديد وراءها، ومن الطرائف التي تدل على عدم السيطرة على المشاعر خصوصاً عند النساء في هذه الظروف؛ أن "ندابة" أثناء ترديد قصائدها رأت امرأة من أقاربها في العزاء ولم تكن قد رأتها منذ مدة، فقالت دون وعي وبصوت ملحن: (شلونك يا أم فلان؟) فردت نساء المتوفى وبنفس النغمة وراءها: (شلونك يا أم فلان؟)، فقالت "أم فلان" بنفس النغمة: (زينة يا عيني زينة!!)».