تمكنت المرأة في مدينة "دير الزور" وريفها من ابتكار عدة مهن تقوم بأدائها في المنزل، ومن هذه المهن "دلالة الذهب والخراجة والصمادة"، وجميع هذه المهن تعتمد على ذوق فني راقِ، يعكس جمالية ورؤية المرأة للحياة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 30 تشرين الثاني 2014، السيدة "سلوى المحمد" من أهالي "دير الزور" التي قالت: «مر على "دير الزور" حقبة من الزمن اعتمد أهلها على أنفسهم بصنع ما يلزم في حياتهم؛ فكانوا يقومون بجميع الأعمال المهنية يدوياً، ومن أشهر تلك الأعمال "دلالة الذهب" فهي من المهن القديمة التي كانت موجودة في محافظة "دير الزور"، ولكنها اختفت لتغير المفاهيم الاجتماعية المرتبطة بها، إضافة لهذه المهنة كانت تقوم المرأة بكثير من الأعمال التي تتناسب مع البيئة وما تحتاجه أسرتها ومنها "الطرازة والنقاشة"، وهي مهنة فنية رائعة تحتاج إلى مهارة فائقة تمتهنها الكثيرات من النساء وخاصة البنات، وهي تعطي مردوداً جيداً ودخلاً عالياً، حيث يقمن بتطريز أغطية المخدات والشراشف ولباس الأطفال وما يستعمل لمائدة الطعام».

لعبت المرأة الفراتية دوراً اجتماعياً ومهنياً، فكانت تقوم بأعمال إنتاجية لمساندة الزوج في تحمل تكاليف المعيشة، ومن تلك المهن "دلالة الذهب"، و"الخراجة"، و"الخبازة"، وتربية الماشية، وفي فلاحة الأرض، فبدلاً من منافسة الرجل كانت هي من توجهه وتحركه من دون أن يشعر

وبيّن الباحث "خالد الفرج" عن تلك المهنة قائلاً: «هناك العديد من المهن التي كانت تقوم بها النساء في "دير الزور" إلا أن الرابط الأساسي بينها، أن تلك المهن كانت لا تضطر المرأة فيها إلى مغادرة المنزل وإنما تقوم بتلك الأعمال في بيتها، ولعل من أشهرها مهنة "دلالة الذهب"؛ فهذه المهنة فرضها الحياء الاجتماعي حيث تخجل المرأة من الذهاب للصائغ لبيع الذهب؛ ما يضطرها للاستعانة بإحدى النساء اللواتي يطفن البيوت لعرضه دون ذكر صاحبته، ومن النساء الشهيرات اللواتي عملن بهذه المهنة "عمشة الدعدوني"، وهناك أيضاً "الخراجة" فقد كانت النسوة في "الدير" يلبسن العباءة، ويأخذن قطعة القماش إلى "الخراجة" التي تعمل على تطريز أطرافها إضافة إلى الأردان "الأكمام"، وكان لها ألوان عدة وأسماء عدة مثل: "البشت، والمحتف، والشيفون، وسيور الطاحونة، والحبر"، ومنهن من كانت تزين العباءة بشناشل من الذهب في طرفها وتسمى "بلابل"».

الشاعر والباحث الفراتي خالد الفرج

ويتابع "الفرج": «ومن المهن التي امتهنتها النساء "الصمادة" أي تجميل العرائس؛ وذلك بوضع المساحيق على وجهها والكحل في العيون وتصفيف الشعر والشكات الذهبية والبرق، وهي مهنة الكوافير والمكياج حالياً، وهناك "الغزالة" وهي التي تقوم بغسل الصوف وتنظيفه ومشطه ومن ثم تقوم بغزله بـ"الدوك"، بعد صبغه لتصنع البسط والسوح وبعض مستلزمات البيت، والغزل يعد مرحلة من مراحل صناعة الأثاث المنزلي كـ"السوح والبسط" فبعد الغزل والصباغة يتم نسج "البسط والسوح" وغيرها وهذه أيضاً مهنة تقوم بها النساء؛ وتسمى المرأة التي تعمل فيها "النساجة"، وقد اشتهرت مناطق معينة من المحافظة بهذه الصناعة مثل منطقة "البوكمال". وإضافة إلى عمل المرأة في "البسط" تقوم بنسج الألبسة من الصوف والقطن وكذلك نسج الليف».

وختم بالقول: «هناك مهن أخرى نشأت نتيجة عدم وجود "التنور" في بعض البيوت أو نتيجة الوفرة المادية عند بعضهم مثل مهنة "الخبازة" وهي مهنة تمارسها بعض النساء اللواتي لا يتوافر لديهن مصدر رزق جيد؛ حيث تقوم "الخبازة" بأخذ العجين وخبزه مقابل كمية من العجين أو الخبز تعمل على بيعه ما يكوّن مصدر رزق بالنسبة لها».

ويشير الباحث في التراث الفراتي "خالد الحسين" بالقول: «تتميّز النسوة في الريف بأنهنّ فنانات بالفطرة فقد تخرجن في مدرسة الحياة الريفية التي تسودها البساطة والغنى في المواضيع الفنية والاجتماعية الدينية، وذلك من خلال عملهن في صناعة وإبداع أجمل أنواع الأشغال اليدوية ذات الوظائف المنزلية المتعددة، مثل اللوحات الفنية الجميلة والألبسة ووجوه المخدّات والأدوات المطبخية، وغيرها التي ما زالت تصنع في ريفنا الجميل منذ أقدم الأزمنة».

ويضيف: «لعبت المرأة الفراتية دوراً اجتماعياً ومهنياً، فكانت تقوم بأعمال إنتاجية لمساندة الزوج في تحمل تكاليف المعيشة، ومن تلك المهن "دلالة الذهب"، و"الخراجة"، و"الخبازة"، وتربية الماشية، وفي فلاحة الأرض، فبدلاً من منافسة الرجل كانت هي من توجهه وتحركه من دون أن يشعر».