للزواج والأعرس في الريف "الفراتي" تقاليده المتنوعة التفاصيل، والدقيقة الخطوات والتي تنتهي أخيراً بحفل الزفاف ليستمر عزف المزمار، والغناء والدبكات لأيام عديدة احتفالاً بالعريسين.

eSyria أجرى بعض اللقاءات مع أشخاص من ريف "دير الزور" تناولوا هذا الموضوع من جوانب مختلفة، والبداية كانت مع السيد "عواد المحمد" من ناحية "موحسن" والذي أوضح مقدار التأثر الذي ألحقته المدنية بتقاليد الزواج في الريف الفراتي بقوله:

أكثر ما يغنى في أعراس الريف مقاطع من الموليا واللالى والليمر حيث تتميز هذه الأغاني بإيقاعها الراقص المناسب للدبكات التي تعقد في الأعراس

«لقد تغيرت عادات الزواج لكثير من الأسر ذات الأصل الريفي وذلك عندما قطنت المدينة، لأكثر من جيل وأصبحت طقوس الزواج لديهم تشابه طقوس المدينة، ونلاحظ تأثير التمدن على عادات الزواج يزداد كلما كانت القرية أقرب لمراكز المدن، بينما لا تزال القرى البعيدة تحافظ إلى حد كبير على عادات الزواج الموروثة في الريف منذ عشرات السنين».

الباحث عيدان العمران مرتدياً الزي الشعبي للرجال بوادي الفرات

ورغم انتشار الآلات الموسيقية الحديثة فإن الميل للآلات القديمة لا يزال لدى سكان الريف، ولتبيان هذه النقطة التقينا بعازف "الشاخولة": "وهي آلة تشبه الناي مستخدمة في ريف وادي الفرات والجزيرة السورية"، الفنان "رشيد محمد ادريس"، من قرية "خشام" وهو عازف معروف على هذه الآلة في أنحاء ريف محافظة "دير الزور" ، فقال:

«رغم انتشار الفرق التي تستخدم الآلات الموسيقية الحديثة كالأورغ مثلاً، فلا تزال شرائح واسعة من الناس في الريف يرغبون في أعراسهم أن تعقد الدبكات ويغني المطرب على أنغام "الشاخولة"، وهذا ما ألحظه جلياً لكوني عازف على هذه الآلة من خلال الحفلات التي أشارك فيها في كل مناطق ريف محافظة "دير الزور"».

موكب لزفاف في قرية البوليل

كما حاورنا الباحث التراثي "عيدان عمران"، والذي شرح لنا مراحل الزواج في ريف هذه المحافظة، بالقول:

«بداية سوف نتحدث عن مرحلة الخطبة، إذ يتشاور الأهل في اختيار العروس التي تناسب ابنهم واعتاد الناس التحري في الاختيار فالأهل لهم نظرتهم في الأصل والتربية والبيت وتجنب الأمراض والعاهات الوراثية، والعريس له نظرته من حيث الحب والجمال، واختلفت عادات الخطبة بين الحاضر وبين سنوات متفاوتة في القدم فسابقا يذهب الأهل وبعض المقربين سرّا إلى أهل الفتاة خوفاً من الفشل، وبعد الموافقة تصبح علناً واعتادت الناس أحيانا أن تأخذ ذبيحتها معها وعند تقديم الطعام تصبح مناقشة المهر ويطلب الحضور من ولي الفتاة أن يكرمهم وينقص لهم من المهر، واعتاد أهل العروس أن ينقصوا من المهر أكراماً للضيوف وأحيانا تفشل الخطبة بسبب التعنت من إنقاص المهر من أحد الطرفين وتكون الخطبة دون فرح أو دبكة.

الفنان رشيد محمد ادريس.

وكان المهر مواد عينية من مواش وخيول وأثاث وسلاح وأراض وذهب وغيره ولا تأخذ العروس من المهر إلا بعض الأثاث اليسير وأحياناً يقوم الأب بتزويج ابنه من مهر أخته وأحياناً يكون الزواج بالمبادلة دون مهر وتشاور الفتاة في اختيار عريسها وأحياناً إذا رفضت يجبرها الولي إذا رأى مصلحتها في الزواج.

وتبدلت طريقة الخطبة فأصبح الاتفاق قبل الخطوبة الرسمية ويتفقون على المهر والمؤجل والذهب، ويحددون يوماً لحفلة الخطبة والتي أصبحت كالزواج تقام الحفلات ويدعى إليها أعداد كبيرة وتقام في البيوت والساحات ثم أصبحت بالنوادي وهناك عادات للملتزمين دينياً حيث تكون الخطبة مختصرة وغير مختلطة ولا تقام فيها الحفلات المختلطة ويقام فيها المولد، ويتم تجهيز الفتاة باللباس اللائق والفراش والأثاث كل حسب إمكانيته».

أما الزواج فله طقسه وتفاصيله التي تميزه في الريف، إذ يتابع "العمران" كلامه ليفصل لنا الزواج وما فيه من خطوات بالقول:

«بعد نجاح الخطبة يتم التحضير للزواج حيث يتم تحديد يوم الزفاف وتزف العروس عند العصر وتركب العروس ومعها مرافقة لها على الخيل أو الجمل الذي يوضع عليه الهودج يحف بها الشباب والبنات والرجال والنساء بالزغاريد والأغاني ويوضع على وجه العروس غطاء من قماش رقيق وتلبس العباءة وقديما يقوم الشباب بركوب الخيل والمطاردة التي تسمى "طراد الخيل" حيث يتزاحم الشباب على السباق وأيهما الأول ويفتخرون بخيولهم وبعد وصول العروس بيت عريسها تقام الدبكات عند العصر يشارك فيها من كل الأعمار والأجناس وبعد وضع العروس في البيت يذهب العريس والشهود بحثاً عن الملاّ أو الشيخ من أجل عقد الزواج وبعد المغرب تقام الدبكة أيضاً ولأكثر من يوم».

ويقدم الطعام للمدعوين في وليمة تعرف في ريف وادي الفرات "بالصُبحة"، وعن التوقيت والكيفية التي يقدم بها الطعام، أخبرنا "العمران" ما مفاده: «من حيث الطعام لم يكن معتاداً تقديم الطعام ألا في "الصُبحة" في الفترة الأخيرة و"الصبحة" يقدمها أهل العريس لهم ولجيرانهم، وبدأت تتوسع فكرة الدعوة فبعد أن كان العدد قليلاً أصبح العدد الآن كثيرا وبالمئات وتذبح فيه الأبقار والأغنام كل حسب إمكانياته وتبنى بيوت الشعر أو الخيام ويقوم أهل العروس بتقديم" "صُبحة" فطور لأهل العريس في أول يوم ثم انقرضت وأصبح أهل العروس يدعون أهل العريس البيت بعد انتهاء أسبوع من الزفاف ويبقى العريس في غرفة زفافه لمدة أسبوع يتلقى التهاني من الجيران والأصدقاء والأقارب».

وبالنسبة لطقوس الدبكة، وما يرافقها من عزف على المزمار أو الآلات الموسيقية الحديثة في وقتنا الحالي، فهي بحسب ما بينها لنا الباحث "عيدان العمران": «تبدلت الدبكة الشعبية والمزمار إلى مطربين وأدوات موسيقية وهي ما نسميه الآن الحفلات والعريس لا يذهب لجلب عروسه سابقا فتذهب كل الناس إلا هو يبقى في البيت وفي الفترة الأخيرة أصبح العريس يشارك في كل شيء في الخطبة وفي الزفاف وجلب العروس وتبادل خاتم الخطبة».

وهناك ألوان الغناء التي تغنى في الأعراس، حدثنا عنها الأستاذ "محمد المفلح" من قرية "مراط" بالقول: «أكثر ما يغنى في أعراس الريف مقاطع من الموليا واللالى والليمر حيث تتميز هذه الأغاني بإيقاعها الراقص المناسب للدبكات التي تعقد في الأعراس».