كان بيته عبارة عن منتدى ثقافي للحوار وتبادل الأفكار، امتلك الجرأة والقوة في المناقشة وتصحيح الأخطاء وحل النزعات، ولم يأت ذلك من فراغ؛ وإنما جاء من خلال القراءة المستمرة لمختلف الكتب.

إنه الباحث "عبد الله الخاطر"، وللتعرف إلى حياته أكثر تواصلت مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 30 تشرين الثاني 2014، مع حفيده المهندس الزراعي "سعد الخاطر" ليحدثنا عنه قائلاً: «ترك جدي المدرسة بعد أن أصبح قادراً على القراءة والكتابة، ورغم ذلك ظل متعلقاً بالكتاب، ومنحه هذا الاهتمام والشغف بالكتب والقراءة الجرأة في الحديث في المجالس، وعندما كان الإمام في المسجد يخطئ على المنبر يصحح له أمام الجميع، كما كان حافظاً للأنساب، والكثيرون من الأشخاص يأتون ليسألوه عن تاريخ أحد ما وأصوله، فقد كان ديوانه يحوي أكبر مكتبة للكتب في مدينة "الميادين" بعد مكتبة المفتي "أبو طريف"، فقد أوصى الحاج "عبد الله الخاطر" أن تكون المكتبة وقفاً لطلاب العلم فلا تـباع ولا تـهدى ولا تـعار كتبها خارج الغرفة، بل تتم المطالعة داخلها حرصاً عليها، كما كان له دور واضح في حل الكثير من المشكلات العشائرية في منطقة "الميادين" لما يمتلكه من قوة في الشخصية وقدرة على الخطابة».

لقد كان في السنوات الأخيرة متفرّغاً للعلم والبحث والقراءة، أنشأ مكتبة "حَوَت" تضم أمّات المراجع والكتب المعاصرة، وكم كان يستمتع بزيارة معرض الكتاب السنوي الذي يقام في مكتبة "الأسد" بـ"دمشق"، وهو يفيض حيويـّة ونشاطاً ليرفد مكتبته ويغذيها بالجديد، وكم عبـّر عن روح علميـّة أصيلة عندما أوصى أن تكون هذه المكتبة وقفاً لطلاب العلم

يضيف: «كان ينفق الكثير من ماله على شراء الكتب، وكلما يقام معرض للكتاب في أي محافظة من محافظات القطر يسافر ويجلب العديد من كتب المعرض، وتميز بأنه لم يكن يقرأ الكتاب فقط؛ وإنما يدرسه، وجميع كتبه تحوي فهرساً خاصاً به يضيفه في نهاية الكتاب واضعاً شواهده الخاصة والمهمة، كما كان يضيف لكل كتاب حواشي له ويعززها أو يناقضها بشواهد من مواقع أخرى وكتب أخرى، وكان يزوره في بيته وغرفته المتواضعة الكثيرون من الشخصيات المهمة، منهم على ما أذكر العلامة "محمد البوطي"، والشاعر "محمد البزم"، وغيرهم الكثيرون من الشخصيات، كما أجرى معه التلفزيون السوري عدداً من اللقاءات، وكرمته جمعية العاديات، وأقيم له حفل تأبين بعد وفاته بحضور الدكتور "مصطفى عبدالقادر"».

المهندس سعد الخاطر

كما كان لنا جولة في ما كتبه الدكتور "شـاهر أمـريـر" في الصحف الرسمية عن الباحث "عبد الله الخاطر"، ومنها جريدة "الفرات"، ويقول: «ما يسـجـّل للباحث "عبد الله الخاطر" وللعديدين من أبناء جيله الذين غيـّبهم الموت في العقدين الأخيرين؛ أنـهم تخرّجوا في "مدرسة الحياة" بدرجة امتياز، فقد اكتسب الحاج "عبد الله" من مهنته في سلك الدرك خبرة حياتية معمقة، ونضجاً من تراكم التجارب، زد على ذلك الاستفادة والاستزادة من المجالس بكافة تجلياتها التي يحلو لبعضهم تفخيمها بقولهم "المجالس مدارس"، يضاف إلى ذلك حبّ للقراءة، وشغف بالمطالعة وظمأ للمعرفة.

عرفت العم الحاج "عبد الله" منذ زمن بعيد لكن علاقتي به قد توثـّقت في السنوات الأخيرة، حيث كنت أزوره بين الفينة والأخرى، أستمتع مع بعض الأعزاء بجلساته المفعمة بالحيوية، والأحاديث الطيبة، وآخر قراءاته واهتماماته أحاديث "البدّاوية" تتخللها الأشعار والقصيد رجالات البادية بطولاتهم أحاديثهم قصصهم ذات العظة والمغزى والدروس، وعندما كنت أشاركه ببعض هذه الأحاديث كان يقرّضني بقوله: (معلوماتك زينة)، لقد كان مملوءاً غبطةً وفرحاً وسروراًعندما حصلت على شهادة الدكتوراه كإنجاز لأحد أبناء هذه القلعة العتيدة قلعة "مالك بن طوق التغلبي" التي يعتز بها الحاج كثيراً، ولكم سعدت عندما طلب مني كتابة مقدمة لكتابه "رحبة مالك بن طوق الفراتيـّة" واعتبرتها تكريماً منه، حيث إنّ مقدمة الطبعة الأولى قد كتبها أستاذي الجليل "عبد العزيز الحاج حسين"».

غرفة الباحث عبد الله الخاطر

ويضيف: «لقد كان في السنوات الأخيرة متفرّغاً للعلم والبحث والقراءة، أنشأ مكتبة "حَوَت" تضم أمّات المراجع والكتب المعاصرة، وكم كان يستمتع بزيارة معرض الكتاب السنوي الذي يقام في مكتبة "الأسد" بـ"دمشق"، وهو يفيض حيويـّة ونشاطاً ليرفد مكتبته ويغذيها بالجديد، وكم عبـّر عن روح علميـّة أصيلة عندما أوصى أن تكون هذه المكتبة وقفاً لطلاب العلم».

وعن حياته كتب الصحفي "حميد النجم": «شارك الحاج "عبدالله" عائلته في تربية الأغنام والزراعة والصيد في "الميادين"، وحين بلغ سنّ الشباب واجه مع أهالي "الميادين" الاستعمار الفرنسي، في مواقف مشهودة منها أحداث عام 1941 ضد جنود السنغال، إضافة إلى محاولته قتل المستشار الفرنسي، وقد ذكر الباحث "عبد العزيز الحاج حسين" أن الحاج "عبدالله" كان يقاتل تديناً ووطنية، فقد كان في المقدمة يثير نخوة الثوار بقوله: (كسار يا ثاير)، و"كسار" هذا هو الشيخ "كسار الجراح" من أهالي قرية "الجلاء" (المسلخة) قتله الفرنسيون في المعركة المعروفة باسم "دكة كسار" ولا تربطه مع الحاج "عبدالله" إلا الحمية الوطنية والدينية، وفي عام 1945التحق بالشرطة (الدرك) ونال العديد من الأوسمة لشجاعته ووطنيته، فقد كان مثالاً للدركي الناجح، حتى إنه كان يرسم خرائط للقرى التي يُعين فيها ليستدل بها الدرك على أهم مواقعها، ولا يزال بعضها محفوظاً في بعض مخافر "الحسكة"، ومن هنا زودته قيادته بكتاب يؤهله لرئاسة أي مخفر، أحيل إلى التقاعد عام 1965 فعزم على تعميق مطالعاته التي بدأت في فترة متقدمة من خدمته، فتوجه نحو الكتب الدينية والتاريخية والأنساب والآداب، فصارت تشغل جلّ أوقاته، فقلما تراه إلا والكتاب أمامه حتى غدت عادة تبدأ بعد الفجر وتستمر حتى يخلد للنوم، ولا تنقطع إلا لقضاء بعض الأمور أو في وقت القيلولة، كان بيته أشبه بالمنتدى في استقطاب عدد من الوجوه الثقافية وفي طرح مختلف القضايا والموضوعات التي يفرضها سياق الأحاديث التي كانت تعبق بروائح البادية والنهر وأخبار العشائر».

الجدير بالذكر، أن الباحث "عبد الله الخاطر" من مواليد 1920، منطقة "الميادين" التابعة لمحافظة "دير الزور"، وتوفي فيها 10 تشرين الأول 2008. ومن مؤلفاته أربعة كتب؛ اثنان مطبوعان "رحبة مالك بن طوق"، و"أسئلة وأجوبة شرعية"، وآخران مخطوطان "الشعوبية"، و"نساء متميزات".