اسم لا يغيب ذكره عن أبناء "دير الزور" رغم مرور أكثر من 70 سنة على وفاته، لقبه أهلها "بأبي الظلماء" لما روي عنه من قصص كثيرة تدل على كرمه ومقدار العطاء الإنساني الذي تمتع به، وبرز ذلك أكثر ما برز في المحن والشدائد وأشهرها عام المجاعة في الحرب العالمية الأولى حيث كان له دور بارز في إنقاذ حياة الكثير من أهالي "دير الزور" من الموت جوعاً فظل اسمه لعقود طويلة في ذاكرة أهلها كأهم رموز الكرم العربي، عرف باسمه شارع من شوارع "دير الزور"، إنه المرحوم "أحمد الجنيد".

ومما يدل على المكانة التي حازها "الجنيد" في المجتمع وتقدير الناس له ما ذكره لنا أحد الأستاذ "مازن شاهين" عضو لجنة حفظ التراث في مدينة "دير الزور" بالقول: «بعد خروج السلطة العثمانية عام 1918 م جاءت فترة سميت فترة "الفلت" بسبب الفوضى التي عمت البلد، فحدثت أعمال سلب ونهب إلا أن هذا الرجل لم يسرق من ماله شيء ذاك أن أعراف العرب تأبى أن يغزى الرجل الكريم».

بعد خروج السلطة العثمانية عام 1918 م جاءت فترة سميت فترة "الفلت" بسبب الفوضى التي عمت البلد، فحدثت أعمال سلب ونهب إلا أن هذا الرجل لم يسرق من ماله شيء ذاك أن أعراف العرب تأبى أن يغزى الرجل الكريم

eSyria حاول البحث في حياة هذه الشخصية والتعريف بها فالتقى أولاً الباحث "غسان رمضان" الذي تحدث عن نسبه بالقول: «"أحمد الجنيد" هو "أحمد بن جنيد بن يحيى بن علي بن الشيخ عيسى بن عبد الجادر بن حمد" الملقب "بأبو العوجة" الذي ينتهي نسبه إلى "عرار"، وهو من بني "خالد العرار" الذين يعودون "لبني مخزوم"، وكانت قبيلته قد هاجرت من منطقة قريبة من "نجد" ثم تفرقت هذه القبيلة فانحدر قسم منها إلى الأردن والعراق وأقام بعضهم بين "حمص" و"حماة" وسكن قسم آخر "بدير الزور" ووادي الفرات».

الباحث عمر صليبي

أما عن مولده وأهم النقاط في سيرة حياته فقد ذكرها الباحث "عمر صليبي" بالقول: «ولد الحاج "أحمد الجنيد" "بدير الزور" عام 1876 م وعرف بأبي الظلماء لكرمه ولأنه كان يطفيء النور عند تقديم طعام العشاء للناس وأثناء الحرب العالمية الأولى حلت "بالدير" سنة الجوع "المجاعة" عام 1916م -1917م ويذكر أنه حفر في الشارع خندقاً لإضرام النار وراح يطهو الطعام في الشارع ويقدمه للمحتاجين، كما أمر المنادي أن يدعو الناس إلى الطعام بالقول: "الزاد يا جوعان والماء يا عطشان" والجدير ذكره أن كرماء البلد في مختلف مناطق "لواء الزور" قد قاموا بهذا العمل الذي يدل على الأصالة.

تزوج عدة مرات ورزق بستة أبناء هم "يحيى" و"جنيد" و"محمود" و"حامد" و"محمد نوري" و"عبد المجيد" وكان له شقيق واحد هو "محمد".

الأستاذ مازن شاهين

عمل بالتجارة والزراعة وامتلك أراضٍ واسعة على طول وادي الفرات وأهم المناطق التي حاز فيها على الملكية هي "الطريف" الحوس" و"الكسرة" وفي "دير الزور" شارع وبيوت معروفة باسمه في سوق "الجبيلة"، توفي رحمه الله عام 1936م».

ومن الحوادث التي يذكر فيها اسم "أحمد الجنيد" وما تزال في ذاكرة أهل "الدير" هو اضطراره للاستدانة من أجل إطعام الجوعى ومن ذلك ما ذكره الأستاذ "علاء الين دلو" في مجلة "منارة الفرات" العدد 48 بالقول:

«في هذا الوضع المأساوي انبرى ثلاثة رجال من أبناء "دير الزور" للتخفيف من حدة الكارثة وذلك بتأمين الغذاء لمئات من العائلات الفقيرة، فقد نصبوا القدور الكبيرة على الأثافي وراحوا يعدون الطعام وخاصة "الحبية" التي تعد من اللحم والقمح المقشور.

وهؤلاء الرجال هم "أحمد الجنيد" "حاج شيخو" فرحان الفياض" وكان قد نفذ المال الذي خصصه "أحمد الجنيد" للتخفيف من حدة الكارثة على أبناء مدينته، فهرع إلى صديقه "حاج شيخو" الذي كان يسكن في ساحة بيع الحبوب ولم يتأخر "حاج شيخو" بتقديم المساعدة إلى صديقه فأعطاه مائتي ليرة ذهب، ولما وضع كيس النقود في كفه قال له: اسمع يا "حاج احمد" لا أريدك أن ترد لي المال، وإنما أريد ان تشاركني الأجر فاحتضن "أحمد الجنيد" الحاج "شيخو" وراح يعانقه معبراً عن شكره لموقفه هذا».