اشتهرت مدينة "دير الزور" بصناعة الشرقيات المتنوعة سواء الخشبية منها أو النحاسية، ونالت شهرة عربية وعالمية، ومنذ عقود كانت هذه الحرفة سبيلاً للرزق، أما اليوم فهي فن وهواية، يتنافس المشتغلون فيها بالإبداع.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 21 تموز 2014، "أحمد نعيمة" الذي يعمل مع أفراد عائلته في هذه المهنة منذ زمن، والذي يعرفنا عنها بقوله: «نعمل في صناعة الشرقيات منذ ما يقارب 30 عاماً، وهي صناعة ورثناها عن آبائنا وما زلنا نعمل فيها حتى الآن، وهي تقوم على إعادة تصنيع المفروشات والإكسسوارات بمختلف أنواعها، وهي حرفة ممتعة، ففي كل قطعة ترسم لنا بزخارفها رواية وحكاية عائلية، كما ترسم لنا الحياة بعيون أجدادنا، وصعوبة الحياة في ذلك الزمن».

نعمل في صناعة الشرقيات منذ ما يقارب 30 عاماً، وهي صناعة ورثناها عن آبائنا وما زلنا نعمل فيها حتى الآن، وهي تقوم على إعادة تصنيع المفروشات والإكسسوارات بمختلف أنواعها، وهي حرفة ممتعة، ففي كل قطعة ترسم لنا بزخارفها رواية وحكاية عائلية، كما ترسم لنا الحياة بعيون أجدادنا، وصعوبة الحياة في ذلك الزمن

ويضيف "نعيمة": «الشرط الأساسي لاعتبار القطعة من "الشرقيات" هي أن تكون مصنوعة يدوياً، إضافةً إلى الألوان التي يجب أن تكون بسيطة وغير لامعةٍ أو زاهية، إلى جانب وجود النقوش الشرقية؛ سواء على قطع القماش أو السجاد أو على المشغولات الأخرى، وليس هنالك فئة اجتماعية محددة تقوم بشراء الشرقيات، وليس هناك نوع معين يطلب دون غيره، فالمصنوعات اليدوية كالرسم؛ لكل شخص ذوق فيه، والغرب اعتنق الفن العربي منذ العصور القديمة، وذهل بروعة الصناعات اليدوية ونقوشها، وباتوا يتفاخرون بالمجموعات الشرقية التي يمتلكونها».

الدلال النحاسية

وعن الفرق بين التحف والشرقيات يتابع "نعيمة": «الشرقيات هي ما صنع في بلاد الشرق في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى، أما التحف فهي ماركات معينة صنعت في الشرق أو للشرق، وذلك لأشخاص محددين كالولاة والسلاطين والوزراء، حيث يكتب اسم الشخص المعني عليها، فقد تكون مصنوعة من الزجاج أو النحاس أو البورسلان أو لوحة فنية وغيرها، ومن أمثلتها ساعات صنعت للولاة العثمانيين».

عن المردود المادي الناتج عن هذه الصناعة يضيف: «جاءت الفترة الأخيرة لتعيد لهذه الصناعة مجدها؛ بعد أن وصلت إلى حافة الهاوية لانشغال الناس في أمورهم الحياتية، وإقبالهم على المنتجات الصينية وغيرها التي أثرت بشكل كبير في عملنا بسبب رخص البضائع التي تعد تقليداً وليست حقيقية، لكنها تعود بمردود جيد على الجهات التي تعمل بها، وقد وفرت هذه الصناعة الكثير من فرص العمل للمهتمين بها، وأبيع وسطياً حوالي 8 إلى 20 قطعة كل يوم ومن مختلف النوعيات؛ لكونها تستهلك جهداً ووقتاً كبيرين، ويبدأ سعر القطعة من 800 ليرة سورية حسب حجمها ونوعيتها، وهذا الأمر يعود بربح معقول للتاجر الذي بدوره يستطيع أن يعيل أسرته ويعطي العمال أجورهم، وليس هنالك نوع محدد يحب الناس اقتناءه، فالناس يفضلون معظم المنتجات لارتباطها بعاداتهم وتقاليدهم، وكان ثمة إقبال كبير من السياح الذين يأتون لسببين إما المشاهدة والتصوير أو الشراء بهدف الاقتناء، لأن هذه الشرقيات والتحف تتضمن جمالية شرقية وإسلامية رائعة ومصنوعة يدوياً».

السوق المقبي

ويوضح الشاب "مجد خضر" الذي يعمل في مهنة الشرقيات بالقول: «مهنة الشرقيات هي جزء من تراثنا، فقبل 60 عاماً كان معظم الناس يعملون في النحاس والسجاد والخشبيات، وكان العمل يأخذ وقتاً طويلاً من صانعه، ولكن للأسف اليوم لم يعد أحد لديه الصبر الكافي كي يجلس على قطعة ما عشر ساعات مثلاً، فصناعة الشرقيات تختلف حسب توافر موادها من بلد لآخر، ففي "دير الزور" مثلاً نصنع الخشبيات ونطعمها بالصدف، أما في أماكن أخرى فيكون التطعيم بالفضة، ومنهم من يطعمها بالذهب، وذلك حسب طلب الزبون، وهناك فوائد كثيرة لهذه الصناعة، فهي تعرف الناس على تاريخهم وتعبر في جزء كبير منها عن ثقافتنا وتراثنا العربي والإسلامي، وتحافظ على هذا المخزون التاريخي والفني الكبير لبلدنا، كما تنشّط الحركة السياحية إلى المدينة والبلد بهدف شرائها واقتنائها».

ويقول الباحث في التراث "محمد العبدالله": «يعرف مصطلح الشرقيات بأنه مصطلح ينسب إلى بلاد الشرق، وكتعريف عام هي عبارة عن السجاد والبسط والأقمشة الحريرية والمجوهرات القديمة التقليدية، إضافة إلى "الموزاييك" الخشبي والمطعم بالصدف والزجاج القديم المعشق، وغيرها وأخيراً النحاسيات بشكل عام من أوان وأطباق وكل ما يمت للتاريخ بصلة، وهي حرفة عرفها الشرق منذ أقدم العصور، وتميز كل بلد عن الآخر في صناعتها وذلك حسب المواد الأولية المتوافرة فيها، كالألوان النباتية والحيوانية لصباغة الصوف والقطن وشعر الماعز، لذلك تتميز هذه الحرفة بشيء مختلف من بلد إلى آخر، وتعد من أقدم المهن المتوارثة في "دير الزور"، وقد كانت لها أهمية كبيرة نظراً لكثرة الأدوات المستخدمة منها في المنازل، مثل "دلال القهوة - البسط"، ولا يمكن تحديد تاريخ معين لوجود هذه المهنة في المدينة».