تشكل الآبار في بادية "دير الزور" عاملاً أساسياً من عوامل نجاح الحياة ليس لسكانها فحسب بل حتى للرعاة القادمين من الأرياف مع قطعانهم، وخصوصاً بعد هذا الازدياد الكبير في أعداد الثروة الحيوانية في هذه المحافظة.

وللوقوف على الدور المهم للآبار في توفير العناء والجهد والنفقات على الرعاة في محافظة "دير الزور" التقى eSyria الراعي "زياد ربيع الناصر" من فخذ "البو ناصر" المنتمي لعشيرة "المعامرة" ، فتفضل بالقول: «تعتبر الآبار الموجودة في البادية نقاط ارتكاز لنا في رحلة الرعي الطويلة والتي تمتد لأشهر في بعض الأحيان إذ بواسطتها نستطيع التنقل لمسافات أبعد، ضامنين تأمين احتياجات قطعاننا من الماء».

قامت الدولة بحفر آبار ارتوازية في البادية فقامت بحفر بئر ارتوازي في موقع "أبو حيايا" جنب الآبار القديمة في 1987

ولمعرفة المزيد عن الدور الكبير لمصادر الماء في بيئة يندر وجود الماء فيها كبادية "دير الزور" التقينا مع الأستاذ "عيدان عمران"- مدرس- فبدأ كلامه بإعطائنا فكرة عن واقع الثروة الحيوانية في بعض قرى "دير الزور": «يعتمد الأهالي على تربية المواشي ولايكاد يخلو بيت من مواشٍ وكل حسب إمكاناته وقدرته فالأغنام والماعز والإبل هي الثروة وهي مصدر الرزق والمعيشة ثم بدأت فكرة تربية الأبقار وتقليص عدد الأغنام بعد الاعتماد على الزراعة ووفرة المحركات الزراعية وسنوات الجفاف والمحل المتكرر».

الراعي "زياد ربيع الناصر"

ثم يبين لنا "العمران" الأسباب التي تجعل الحاجة ملحة في الاعتماد على رعي الأغنام في البادية بالقول: «بعد ازدياد عدد السكان، ومساحات الأراضي المزروعة اتجه الناس صوب البرية والبادية فالمواشي تحتاج إلى مراع واسعة، وتحتاج إلى مياه والمياه في البادية قليلة ومصدرها الآبار.

فبدأ الناس بالاتجاه إلى البادية فبدأت فكرة حفر الآبار في البادية في الأربعينات وكانت هناك آبار محفورة سابقا مثل "أبو حيايا" و"الشايب" و"الدخول" و"العاكولة" وفي عام 1943 خرج أهل "موحسن" لاختيار أماكن حفر الآبار واختاروا الأماكن التي أعجبتهم فتم حفر بئر "طقعان" عام 1943 ثم أبو "السبلات" و"أبو حيايا" و"بيوض" حفر عام 1945 ولم تنبع منه ماء ثم جاءه سيل وغمره وانفجرت عيونه عام 1946 وبئر حلوان وأبو الفياض و"أبو كبرة" و"جليب البوسيد"عام 1955.

رعي الأغنام في محافظة دير الزور

فالأهالي تعاونوا على حفر الآبار حسب الودايات وبعضهم أسهم وبعضهم جوابي وكان الهدف هو سقاية المواشي ثم انتقل الهدف من سقاية المواشي إلى ملكية الأرض».

ثم يتابع "العمران حديثه حول الفترة من السنة التي يتم فيها الرعي في البادية وبالتالي الاستفادة من مياه الآبار في شرب الأغنام بالقول: «غالبا ما يخرج جميع الأهالي أصحاب المواشي إلى البرية في الربيع وبعضهم يبقى في البرية في الصيف يرعى حلاله من الأعشاب اليابسة والنباتات الصيفية ويستخرجون الماء من البئر بالدلو حيث يجر الدلو "الحصان" أو "الكديش" وتُصب الماء في الجوابي "سواقي من الحجر والجص لتخزين الماء" وغالبا ما يعرف كل جماعة جابيتهم في أزمات المياه وتنقل المياه على الحيوانات "بالراوية" وأحيانا يعانون مشقّة في الحصول على المياه وخاصة عندما يذهبون إلى الأماكن البعيدة طلبا للمراعي ففي عام 1947 رحل أغلب غنّامة "موحسن" إلى العراق طلبا للمراعي وتسمى "سنة العراق" وعادوا في نهاية الربيع».

الأستاذ عيدان العمران

ونظراً للحاجة الملحة للآبار كمصادر للمياه في بادية هذه المحافظة حفرت الدولة عدداً من الآبار، وحول ذلك يقول "العمران": «قامت الدولة بحفر آبار ارتوازية في البادية فقامت بحفر بئر ارتوازي في موقع "أبو حيايا" جنب الآبار القديمة في 1987».

ثم يختم كلامه: «ويجتمع أصحاب المواشي القليلة عند راع واحد ويبنون بيوت الشعر في البادية بشكل صفوف منتظمة ومتقاربة وتسمى "النَـزِل"، والراعي يأخذ أجرته من الخراف وكان أحيانا يأخذ عن كل عشرة أغنام خروفاً واحداً مع تأمين اللباس والطعام ويوفي عقده وشرطه في منتصف الربيع عادة عندما تكبر الخراف».