تغزل الشاعر الفراتي بجمال الوجه، فهو المرآة التي تعكس منظر صاحبها، فوصف الشعراء محبوباتهم بأرق الصفات وأحسن المزايا، فجعلوها الأمل والإشراق والتطلع فصارت تمثالاً للجمال ورمزاً له.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 26 نيسان 2014 السيدة "سلوى المحمد" من أهالي الدير ومهتمة بالشعر الفراتي، فقالت: «يجسد الشعراء الحسيون في شعرهم وصف ملامح الوجه، وبرزت لديهم قيمته الجمالية من خلال سعيهم في البحث عن الجمال، فشبهوا وجه المرأة بالقمر أو الشمس في استدارته ونوره لأن ذلك يدل على التمام، كما تغنوا بالملامح السمراء والبيضاء».

يعتبر الوجه ليس فقط ميزان الجمال أو دليل المعرفة والتمييز بين الأشكال، بل هو أيضاً بحيرة المشاعر، وعورة الإحساس، ومرآة الجوف، وصورة الخاطر

فقالوا:

"اسمع من قول المعنى... الأسمر لو ربت وغنى

الباحث عبد القادر عياش

اسمع من رنات حجوله... صايغها يعقوب وحنا

البيض رز بحليبي... اشما برد أكله يطيبي

وجه فراتي بريشة أحد الرسامين

الأسمر قشر الزبيبي... عل مزابل كبه عنا".

وفي غناء "ميلي يلسمرة ميلي" قالوا:

الباحث محمد الحومد

"ميلي يلسمرة ميلي دخلج ميلي... خدج عسل صبيته تالي الليلي

القاعدة عبلبابه هلحبابه... كوت قلبي بعطابه كي النيلي".

ويشير الباحث "عبد القادر عياش" في مجلة "صوت الفرات" بالقول: «يدل الوجه على صورة صاحبه، وهو أول شيء يشاهد من الإنسان، ولذا يعطي الانسجام والتناسق في تقاطيع الوجه وملامحه جمالية وهيبة لصاحبه، فالوجه الجميل يزيد من الهيبة ويتيمن به الشعراء، لأنه يدل على الخصال المحمودة، فشبهوا الخدود البيضاء بالوردية والشقراء بالذهبية والسمراء بحكم البيئة التي يعيشونها».

"جن السمر طوبيري... ماردهن على البيري

أخذن عقلي وتدبيري... وظليت أصفق بيديا

أريد اقلك جثير... السمره يانسل الحرير

الكسم كسم الوزير... كلجن عندي مثمنات

لا تزعلن يلبنات... كلجن عندي مثمنات

السمره والبيضة خوات... مثل خشوف البرية".

ويبين مدرس اللغة العربية "محمد الحمود" بالقول: «يعتبر الوجه ليس فقط ميزان الجمال أو دليل المعرفة والتمييز بين الأشكال، بل هو أيضاً بحيرة المشاعر، وعورة الإحساس، ومرآة الجوف، وصورة الخاطر».

وفي غناء "ليمر":

"يبو خديد الوردتين الجنة... عجوز ما ترضى بشغل الجنة

خد البنية يا ولد جنة... عسل مذرور فوقه سكر

أم الخديد الوردة البسباتي... محزمة لأجل الغوى بسباتي

سايم عليجي المصطفى بس باتي... صدت وقالت يامدلل ما أقدر".

ويضيف "الحمود": «يعتبر الوجه لوحة النفس إذ ترسم عليه مشاعرها بريشة الملامح والتعابير، فيُعرف منها عندئذ حال المرء في الفرح والحزن، والغضب والرضا، والدهشة والخوف، والحب والكراهية».

وفي غناء "الهلابا":

"شفت الزين عل خابور حدر... ودمع العين عل وجنات حدر

طولي على طولج مقدر... وبيجي الزود ياسمحه الرقابا".

وفي غناء "النايل":

"أسمر سمارك حلو... شامات بخدودك

ولعتني بالعشق... داخل على جدودك".

ويشير الباحث "محمد الحومد" بالقول: «لم تغب المحبة عن قلب الشاعر الشعبي الفراتي فإلى جانب جمال العينين ورشاقة القامة كان للوجه نصيبه الأكبر في الوصف، ويكثر وصف الوجه الأسمر عن غيره من ألوان لكون أبناء الفرات ذوي بشرة سمراء اكتسبوها من البيئة التي عاشوا فيها إلا أن هذا لا ينبغي ورود ذكر للوجه الأبيض أو الأشقر، وتلك الخدود التي تشبه لون الورد وتارة أخرى بلون الذهب؛ فها هو في لون "الموليا" يرى القمر بوجه حبيبه كلما أقبل، ويصف لنا دموعه العزيزة على فراقه على نقيض أولئك الذين شحوا عليه بالدموع التي كادت تملأ الوديان».

"أنت بروحي العزيرة والنبي هل هل... كلما تخطم المسا نقرا الشهر هل هل

شحيح دمع الخلق دمعي عليكم هل... فيض طماه العلو سكان بريه".

أما جبينه فيشع نوراً بلون البدر فلذلك سكبت عيناه دمعاً على فراقه ذلك الذي تفوح رائحة الريحان من بين ضفائره:

"ياضي جبينو يخدو تقول بدر هل... دمعي على خلتي من غير سايه هل

أسايلك بالنبي مانت ولد منهل... محشي جعوده من الريحان ممليه".

ثم نجده في جانب آخر أسمر لا يميل إلى لون القهوة، بل يميل إلى لون العسل عندما يكون بشمعه، أما قامته فإنها تشبه غصن البان الذي يحركه نسيم الصباح القادم من الغرب بعد شروق الشمس:

أسمر سمارك حلو شفة عسل ريجك... سير علينا ياغالي الدرب لا يعجبك".

ولم يكن أسمر جميلاً فحسب بل كان يمتلك خالاً ترامى على خده:

"أسمر سمارك حلو شامات بخدودك... وآني رماني الهوى داخل على جدودك".