تناغمٌ وانسجامٌ ما بين مفرداتٍ شعبية وأخرى فصيحة في حوارٍ شعري سلس حمل بين طياته الكثير من دلالات الشعور بالانتماء للوطن الأبدي؛ وأمنياتٌ للقاء حبيبٍ هجر محبوبته تحت سطوة عشقٍ ربما تحوّل إلى ذكرى منسية.

ثلاثة شعراء اجتمعوا في مناسبةٍ واحدة على خشبة المركز الثقافي بـ"البوكمال"، أمسيةٌ كانت شبيهةً بمشهد إشعال النار في الحطب المحبوس داخل المدفأة التي تبعث بالحرارة رويداً رويداً لمن حولها، هكذا بدت أجواء هذه السهرة الأدبية.

يعجبني كثيراً حضور مثل هذه الأمسيات؛ فقد أتحفنا هؤلاء الشعراء بقصائدهم الجميلة ذات الكلمات المتوهجة حيناً والرقيقة حيناً آخر، كل ما أتمناه هو استمرارية هذه النشاطات

الشاعر الشعبي الصاعد "محمود الفياض" قرأ بعضاً من قصائده التي كانت قريبةً من روح المناسبة الوطنية؛ في محاولةٍ منه لكسر الحاجز بينه وبين المنبر الذي يعتليه لأول مرة، ثم جاءت كلمات الشاعر الشعبي المعروف "إياد السعد" لتزيد من حرارة المكان من خلال قصائده الوطنية التي لاقت تصفيقاً حاراً من الحضور؛ فقال: (يا سيدي النعش من هيبتك طار/ شامخ يصرخ الراحل اليا / لساها السفينة فوكا بحار / هذا ابن الأسد بطباع بيه / يؤمرنا الفريق الركن بشار / يلكانا سواعدنا كوية).

الشاعر الشعبي "إياد السعد"

أما الشاعر "سمير المحمد" فقد ظل يبحث عن ذاته التائهة بين مفردات قصائده الفصيحة التي خلقت هدوءاً شاعرياً في زوايا القاعة، فيقول: (يا أيها المصلوب في كنفي!! ألا تشكو جوى عطشٍ؟ ألا تبكي ألا تعرى؟ أنا في كل حالاتي// بلا جسدٍ// بلا أهلٍ// بلا وكنٍ بلا مسرى). كما يقول في قصيدةٍ أخرى: (الخيل هناك والفارس في سجن القهوة// يتدلى بين حبوب الهيل// رائحة لا تشبع فنجان// الخيل هناك تنتظر اللاآتي).

بعد نهاية الأمسية تحدثوا لموقع esyria عن مشاركتهم فكانت الكلمات التالية:

الشاعر "محمود الفياض"

الشاعر الشعبي "إياد السعد" صاحب تجربةٍ غنية في اعتلاء المنابر تحدث قائلاً: «أعتبر هذه الأمسية مقبولة بالنسبة لي؛ ومع ذلك أترك تقييمها للحضور حتى يحكم عليها لأن شهادته هي الفيصل، مشاركتي اليوم هي من بين إحدى المشاركات الكثيرة التي أشارك فيها عادةً والتي تتزامن مع مثل هذه المناسبات العظيمة؛ لذلك قرأت مجموعة قصائد وطنية لامست بمضامينها عظمة هذه المناسبة».

وتابع "السعد" حديثه قائلاً:

جانب من الحضور

«إن الحركة الثقافية في "البوكمال" غنيةُ منذ عشرات السنين لكن بريقها تلاشى بعض الشيء، ومع ذلك هناك بشائر خير بوجود عدد كبير من الشعراء والأدباء، والأمر الذي قد يؤثر في تقليص عدد الحضور هو غياب الدعاية لمثل هذه الأمسيات؛ وهنا يأتي دور المركز الثقافي في القيام بمهامه المنوطة إليه في ظل تزايد عدد هذه النشاطات».

الشاعر "سمير المحمد" صاحب نتاجٍ أدبي لا بأس به؛ فمن قصة (طين الرغبة) و (عشرون عاماً تحترق) إلى ديوانه الشعري (ليالينا) ثم (اختيار) مروراً بالكثير من المشاركات داخل وخارج المحافظة، والذي تحدث عن هذه المشاركة قائلاً:

«لا بد لأي إنسان أن يوصل رسالته الثقافية في هذه الحياة من خلال عدة مناشط؛ فالمنشط الإنساني الأول الذي أسعى إلى إيصال أفكاري هو المدرسة، فأنا كمديرٍ لثانوية أحاول أن أحقق مسيرتي التربوية أو نظريتي التربوية في هذه الحياة. كذلك اعتبر المنبر وسيلة أخرى لإيصال تلك الرسالة والتي تتلخص في كلمتين وهما: الإنسان والحب».

أما عن رأيه بالحركة الثقافية في المدينة؛ فقال:

«في الحقيقة خلال السنوات القليلة السابقة لاحظتُ تطوراً كبيراً من خلال زيادة عدد المدعوين للمركز سواء من خارج المحافظة أو داخلها وحاولت وزملائي الآخرين نشر وعي التعامل مع المركز الثقافي، وحاولنا تقريب فكرة التعامل مع المركز ما بين الوسط الطلابي الذي يُعتبر المنفذ الأساسي للإعلام ولاحظنا استجابة من قبلهم وما شاهدناه اليوم من حضورٍ للطلبة هو تأكيدٌ لكلامي».

"محمود فياض" الشاعر الموهوب تحدث عن أولى مشاركاته بالقول: «كانت لحظات رائعة بالنسبة لي عندما التقيت الحضور وجهاً لوجه، فإلى هذه اللحظة أعتبر نفسي ما زلتُ هاوياً ومع ذلك قد يشعر المرء ببعض الثقة عندما يلاقي أمامه جمهوراً يُصفق له بحرارة هنا تبدأ أولى خطوات النجاح».

آراءٌ بالأمسية الشعرية:

الشاعر الشاب "مؤيد الشلال" كان من بين الحضور؛ قال:

«أمسية جميلة والشعراء لهم خبرة جيدة بالمنابر كما أن الأمر اللافت للانتباه هو مستوى أعمار الحضور؛ فمعظم الموجودين كانوا من فئة الشباب وهذا يبشر بولادة جيلٍ واعد محب للثقافة ويصبّ ذلك في مصلحة الحركة الثقافية للمدينة في المستقبل».

الشاب "محمد سراج" طالب ثانوي؛ قال: «يعجبني كثيراً حضور مثل هذه الأمسيات؛ فقد أتحفنا هؤلاء الشعراء بقصائدهم الجميلة ذات الكلمات المتوهجة حيناً والرقيقة حيناً آخر، كل ما أتمناه هو استمرارية هذه النشاطات».

"وسيم الحسن" طالب ثانوي أيضاً وافق رأي زميله وزاد عنه قائلاً: «أنا من هواة الشعر الشعبي لذلك حضرتُ هذه الأمسية التي تميزت بتنوع القصائد وبساطة الكلمة الشعبية التي تحاكي لهجتنا الفراتية، وبالتأكيد لا ننسى الجمالية المكنونة في الشعر الفصيح».

غاب عن هذه الأمسية الحضور الرسمي لشخصيات المدينة، لكن الحضور الكبير والمميز من جانب الطلبة من الفئتين الذكور والإناث ربما يبشر بانطلاقة جيلٍ صاعد متسلح بالثقافة والمعرفة.

هامش:

الصورة الرئيسية للشاعر "سمير المحمد".