يشهد المركز الثقافي العربي بـمدينة "البوكمال" خلال هذه الأيام نشاطاً أدبياً وفنياً لافتاً للانتباه؛ آخرها كان الأمسية الشعرية القصصية التي أُقيمت بمشاركة عددٍ من الأدباء من محافظة "دير الزور" وهم الأدباء "فاتح الأشرم" و"خالد جمعة" و"أماني المانع" و"بثينة عبد الكريم".

حيث عانقت الأقلام النسائية الرقيقة الأدب الذكوري وشكّلا معاً لوحةً أدبية رفيعة المستوى؛ بعد أن تبعثرت قصائدهم وقصصهم القصيرة في أرجاء الصالة الصماء ثم عادت هذه المفردات من جديد لترسم بسمةً جميلة متفائلة على وجوه هؤلاء الأدباء الذين لم يكترثوا للفراغ المُرعب الذي عمّ أجواء الصالة لأسبابٍ مجهولة؛ بل تملّكهم المزيد من الثقة ليعلنوا عن إصرارهم على بقاء الأدب حياً حتى في وسط الظلام الدامس.

... يومٌ آخر من الحرب على "غزة" جدرانٌ عتيقة تحيطه ظلمات ثلاث بعضها فوق بعض وخندقٌ يتوسط قلْبيْنا فلا نبصر غير البندقية؛ أصوات قذائف تئنُّ خارج الفضاء الرحب وسربٌ من طائراتٍ مجنونة تحوم في محيطنا وأنا وأنت لا أحد سوانا إلا المتوحش في جلال العظمة...

الأديبة والقاصة "أماني المانع" حملت راية البداية فكانت قصتها القصيرة تحمل المستمع إلى فضاءٍ واسع مفعمٍ بهواجس وخواطر بعيدةٍ عن قوانين الطبيعة البشرية، تقول الأديبة: «..واصلتْ السير في الدرب المرسوم أمام أقدارها وحولها القفر والزلازل والبراكين؛ وحربٌ أخرى اندلعت في حياتها ذهبت بها خطواتها إلى الذين اعتقدت أنهم سيردّون حقها ويجتثون ألسنةً ظلمتها، فهي البريئة؛ الضعيفة؛ والذين سيرفعون صوت الحق عالياً بعد أن يُعموا عيون الجاني أمام الملء لتعود لها على الأقل رائحة طهارتها المُعلقةِ بأنياب وحشٍ احتل أرضها أولاً وخاف أهلها وهربوا وأوصدوا الأبواب؛ ثم وقعت هي لقمةً سائغة وطعماً جديداً لدمٍ يكسو الأنياب الحقيرة...».

القاص "خالد جمعة"

ثم اعتلى القاص "خالد جمعة" المنبر ليعلن هو الآخر عن تمرده ضد عدوٍ لا يعرف سوى لغة الدمار والحرب؛ فيقول: «... يومٌ آخر من الحرب على "غزة" جدرانٌ عتيقة تحيطه ظلمات ثلاث بعضها فوق بعض وخندقٌ يتوسط قلْبيْنا فلا نبصر غير البندقية؛ أصوات قذائف تئنُّ خارج الفضاء الرحب وسربٌ من طائراتٍ مجنونة تحوم في محيطنا وأنا وأنت لا أحد سوانا إلا المتوحش في جلال العظمة...».

ولم تكن قصائد الشاعر "فاتح الأشرم" أقل التزاماً مما قدم زملاؤه، فعبّر من خلالها بصوتٍ جهوريٍ واثقٍ عن رفضه للواقع المرير الذي تعيشه بعض البلدان العربية تحت وطأة الاحتلال.

الشاعر "فاتح الأشرم"

أما الشاعرة "بثينة عبد الكريم" فكانت مسك الأمسية البوكمالية؛ إذ نوّعت بين قصائد الفصيح والشعبي وبدت وكأنها تتهيّأ لابتلاع المفردات المدونة على الصفحات التي أمامها؛ لتعلن عن ثورةٍ أدبية أنثوية فتقول الأديبة: «...لا تنتظر.. أعايدك.. ما مرّ بي عيد..مذبوحةٌ بالأمنيات من الوريد إلى الوريد...مصلوبةٌ حتى الفراق وليتني لم أصيح...ما مرّ بي عيد حتى أعايد من مرّوا على صفحات عمري...لا تنتظر مثل انتظار رجلٍ بليد...كي يُخبر الأغبى بأن حياته لا تنتظر أنثى كي تُعلّمه المزيد...لا تنتظر ناراً تتأجّج على بحورٍ من جليد...لا تنتظر مني كلاماً فارغاً لأني لا أملك لغةً تُترجمُ ما أريد...».

وفي ختام الأمسية التقى موقع eSyria الشاعر "فاتح الأشرم" الذي حدثنا عن مشاركته بالقول: «هذه مشاركتي الخامسة في "البوكمال" ويُعجبني كثيراً جمهوره الذواق بالرغم من قلته؛ فمشاركتي كانت من خلال قصيدة تضمّنت عدة رسائل عكست واقع الشعب العربي في ظل المآسي التي يعيشها بشكلٍ يومي، وقضية فلسطين وحصار غزة وغزو العراق ما هي إلا نموذجٌ حي عن هذا الواقع الشائك، وأتمنى أن تكون هذه الرسائل قد أصابت هدفها».

القاص "خالد جمعة" تحدث عن تجربته الأولى في مدينة "البوكمال" بالقول: «هذه أول مرة أشارك في أمسية بـ"البوكمال" حيثُ اقتصرت هذه المشاركة على قصص قصيرة جداً وهي بعنوان (ومضات بين الحلم والانتظار) و(أعواد الكبريت) أما بالنسبة للقصة القصيرة فكانت بعنوان (أيام الحصار) وتتحدث في مضمونها عن "غزة" وكيف كان الجندي يحاكي ضابطه في مناداةٍ وجدانية بعد أن استشهد».

أما القاصة "أماني المناع" التي شاركت في الأمسية بقصة قصيرة بعنوان (ضفيرة العار) حدثتنا عن هذه المشاركة بالقول: «القصة التي تناولتها قصةٌ وطنية قومية تتحدث عن شيم العرب التي بدأت بالزوال؛ وترمز صورة الفتاة إلى "القدس"؛ إذ حاولت الإشارة إلى أن الفتاة العربية بالرغم من تعرضها للظلم والقسوة إلا أن أصابع الاتهام دائماً تتوجه إليها وكأنها جسدٌ رخيص، وفي نفس الوقت ترمز هذه الفتاة إلى "غزة" التي ضاعت وسط صمتٍ رهيب من جانب العرب».

الشاعر "قيس صقر" كان أحد حضور الأمسية حدثنا عن انطباعه عن هذه الأمسية؛ فقال: «أمسية متنوعة ما بين قصة قصيرة جداً وشعر، كان الأدباء مُنسجمين في اختيار موضوعاتهم بدقة؛ فالجميع كتب عن القضايا الملتزمة والعشق والحب، فالجوقة الأدبية المشاركة كانت تتميز بمستوى جيد وتناولوا فكرة أن القصيدة قد تكون في لحظةٍ معينة رصاصة وقد استثمروها، في الوقت الذي قد تكون القصيدة وردة حب وأيضاً استثمروها بشكلٍ جميل».