يزخر تراث دير الزور بعاداتٍ وتقاليدَ كثيرةٍ شكّلت ذاكرتها الشعبيّة، منها ما يخصُّ المأكل، المشرب، اللباس، وطقوس مجتمعيّة موروثة أتى عليها تقادُم الزمن وتغيرات الظروف المعيشية ونظرات الأجيال المعاصرة، فباتت ذاكرةً لا أكثر، تُوثّق في المناسبات والاحتفالات الرسمية أو في بطون الكُتب وأحاديث الكبار.

لباس المرأة في دير الزور أو ما يُسمى محلياً بالعباية بات مقتصراً على المُسنات اللاتي حافظنّ عليه، فيما الجيل الشاب من الفتيات لا يتقبلنه، كما يقول الباحث في التراث الفراتي "غسان الخفاجي" في حديثه لمدوّنة وطن"esyria": "هي تقليد اعتادت عليه المرأة الديرية في اللباس أثناء خروجها من المنزل سواء للزيارات أو لقضاء حوائجها، وقد نالت شهرة عربية وعلى نطاق واسع وخاصة في العراق والبحرين والكويت، وغنى لها ولمن تلبسها المُطربون، فاشتهر منها مقطع أغنية أداها أحد المطربين العراقيين : (يا يُمه انطيني الدربيل تا نطر حبي وا شوفه لابس عبا شغل الدير تلمع ما بين اجتوفه) .

وأضاف: "كما أن أكلات شعبية عدة هي الأخرى باتت طي النسيان، ومن النادر جداً أن تجد عائلة ديرية في الزمن الراهن تقوم بصنعها كما في الأكلة المُسماة "حنيني"، وهي تُصنع عبر طهي التمر مع البيض بالسمن العربي حصراً، وكان أهالي دير الزور يتناولونها في وجبة السحور خلال شهر رمضان المبارك".

ولأن حديثنا جاء على عادة في شهر الصوم، يلفت "الخفاج" إلى اختفاء عمل ما يُسمى "المسحرجي" وهو من يقوم بإيقاظ الناس من نومهم لتناول وجبة السحور، هو تقليد اختفى بالمطلق اللهم إلا أن يقوم به بعض الرجال أو الشباب بدافع الحاجة، إذ من المتعارف عليه أنه قبل يوم عيد الفطر يقوم "المسحرجي" بطرق أبواب سكان الحي لإعطائه أجرةً عن عمله طيلة الشهر الفضيل.

ويقول "الخفاجي": "من تقاليد دير الزور المحفوظة في الذاكرة الشعبيّة ولم تعد حاضرة على أرض الواقع طقوس تطويف شموع الخضر، طقسٌ يُمارسه الأهالي عند إيفاء النذور ويتم ليلة النصف من شعبان وتسمى في دير الزور ليلة (المحياه)، لهذه العادة طقوسها الخاصة إذ توضع الشموع على قطعة خشب وتُطَّوفْ في نهر الفرات ويأمل صاحب النذر أن يحقق الله أمنيته في هذه الليلة المباركة، وفي الغالب عن شفاء مريض أو ولادة طفل ذكر أو عودة غائب وما إلى هنالك"، فيما اختفت عادة تقطيع الخمسة جسور كما يلفت" الخفاجي" : " إذ كانت العادة أن يُزف العريسان قبل "ليلة الدخلة" بسيارة خاصة، ترافقها عدة (تكاسي) على الخمسة جسور وهي: (البعث، المعلق، كنامات، حطلة الجورة) يترافق ذلك مع الغناء والصفقة والزمامير، بعدها تعود السيارات لبيت العريس وقبل الدخول لبيت الزوجية تقوم العروس بكسر (قنينة) عطر على الباب كنوع من الفأل الحسن".

وحتى"ختان المواليد الأطفال أو ما يُسمى الطهور كان مُناسبة جماعية يحضرها الأقارب لجهة الأب والأم، فيما اليوم تقتصر على الأسرة الواحدة ويجري طهور المولود في المشفى، كانت مناسبة مفرحة، فتقام الأفراح والزينة لمدة أسبوع وبعد إعداد فناء الدار (الحوش) من كنس ورش المياه إلى الزينة ومد الفراش (السوح والبسط والمطارق ومخدات الرچي) على شكل رباعي، وتجهيز طعام للمدعوين، يحضُرُ المُطهِر راكباً (الحنتور) يحمل حقيبته الجلدية وفيها عدة الطهور، ويُستقبل بحفاوة من قبل صاحب الدار، فيجلسه في صدر المجلس محاطاً بآباء أو وكلاء الأطفال الذين سيتم ختانهم، يشرب المطهر قهوته المرة، ثم يبدأ بتطهير الأولاد، وسط الهلاهل والزغاريد، وبعد الانتهاء من عمله تقوم النسوة بتوزيع "الطشوش" عبارة عن كرميلا وحامض حلو وملبس، وقبلها زبيب وتين مجفف ومكسرات، ثم يُدعى الحضور لتناول وليمة الفرح، وغالباً ثرود اللحم مع (المرقة) والرز والخبز.

ومن العادات السيئة التي اختفت مع تنامي الوعي هو ما كان يُعرف بـ"الحيار"، وهو مُصطلح يُطلق على حالة البنت التي يرغب ابن عمها بالزواج بها، فيمنع غيره من التقدم لها، فالبنت هنا بحكم هذه العادة لابن عمها، فالأقرب أولى بها وتبقى مقيدةً لا يتقدم لها أحد إلا بعد قبوله بالزواج منها أو تركها لتأخذ نصيبها بالزواج من غيره".