بهدف مساعدة الأطفال على الاندماج مع المجتمع الألماني من دون فقدانهم لهويّتهم السورية؛ أطلقت "ضحى الفياض" مشروع "ياسمين الشام" لتعريف الأطفال بتاريخ "سورية" وتراثها.

لمعرفة المزيد عن المشروع، تواصلت مدونة وطن "eSyria" عبر "الفيسبوك" بتاريخ 28 آب 2016، مع "ضحى" طالبة الماستر، اختصاص طاقة وعمليات هندسية في جامعة "فراي براغ" بـ"ألمانيا"، لتحدثنا عن أسباب انطلاقة المشروع، بالقول: «حالة الضياع التي يعيشها الأطفال هنا بين الشخصيتين العربية والغربية؛ وخجل بعضهم لأنهم عرب؛ من الأسباب التي دفعتني إلى التفكير بهذا المشروع، إضافة إلى أن وضع الأهالي السيّء نفسياً ومعيشياً بسبب حداثة اغترابهم جعلهم ينشغلون عن تعريف أبنائهم بتاريخهم وأصولهم، ففكّرت أنه لو استطاع الأطفال فهم شخصيتهم الأم بوجه جيد سيستطيعون فهم الشخصية الغربية بشيء من التعايش وليس التقمّص، وسيدركون أنها مختلفة عنّا، لكنها ليست غريبة إلى درجة إنكارهم لها. أما أهمّ دافع لإطلاق هذا المشروع برأيي، فهو بناء جيل صحيح لديه فكر العودة إلى وطنه».

السبب الذي جعلنا نرحب بالمشروع هو أننا جميعاً نودّ أن نقدّم المساعدة للأطفال ليتجاوزوا هذه المرحلة الصعبة، وبالتأكيد هناك تحسّن ملحوظ في نفسياتهم، وأصبحوا يلتزمون أكثر بأوامر مدرّسيهم، لكن هناك قسم آخر لم يتجاوب بعد، ومازالت لديهم حالة من اللّا مبالاة

وتضيف: «قبل انتقالي إلى "ألمانيا" كنت متطوعة بجمعية المرأة العربية في "دير الزور"، وكذلك عملت مع اليونسكو بمشروع حصر التراث؛ وهو ما كوّن لدي خبرة في مجال التطوع؛ لذلك بعد وصولي إلى "ألمانيا" بتاريخ 18 أيلول 2014، كان قد بدأ تدفق اللاجئين؛ وهو ما دفعني إلى مساعدة الصليب الأحمر في أعمال الترجمة طوعياً؛ الأمر الذي جعلني أقرب إلى الناس ومشكلاتهم، وحاولت مساعدتهم في حلّها، لكن لم يكن هناك تجاوب، لذلك فكرت أنّ عليّ أن أركز على الجيل الجديد، فظهرت فكرة المشروع.

"ضحى الفياض"

ومشروع "ياسمين الشام" مسجل تحت اسم "الجمعية العربية الألمانية"، بدأت تنفيذه بتاريخ 15 آذار 2016، فبعد أخذ موافقة المدرسة للحصول على حصة بعد الدوام النظامي، تم أخذ موافقة أولياء الأمور لاشتراك أبنائهم في هذه الحصة الاختيارية التي تقام مرة كل أسبوع، ثم بدأنا العمل.

ولصعوبة إعطاء الأطفال درساً بالطرائق التقليدية؛ ابتكرت ألعاباً من خلالها أقدّم لهم معلومات تاريخية، وفي بعض الأحيان يكون الدرس عبارة عن متنفّس للأطفال يحوي نشاطات ترفيهية متنوعة كالرياضة والموسيقا والرسم، وأحياناً يكون هناك جوائز رمزية للمتفوقين؛ وهو ما يجعل الأطفال في حالة تشويق مستمرة. وعلى الرغم من أنّ الدرس مقدم للأطفال السوريين، إلا أنه في بعض الأحيان يحضره أطفال عرب أو من جنسيات أخرى بدافع الفضول. وحالياً أديره وحدي وبمدرسة واحدة، لكن أتمنى أن يكبر مع الوقت ليشمل متطوعين يساعدونني على إقامته في مدارس أخرى».

أثناء درس عن أبواب دمشق السبعة

وعن آلية تنفيذ المشروع وتجاوب الأهالي والطلاب مع الفكرة، تقول: «في البداية كان الدرس عن أشخاص وأماكن سورية تاريخية، لكن بسبب متابعتي لوضع الطلاب مع مدرّسيهم، أصبحوا يزوّدونني بملاحظات باستمرار عن الطلاب، فاكتشفت أن لديهم صعوبة في فهم نظام المدرسة وحتى في التفاهم مع مدرّسيهم بسبب عائق اللغة، لذلك أصبحت الدروس في هذه المدة لتعليمهم أساسيات اللغة وكيفية سير النظام المدرسي الألماني، وقريباً سنعود إلى دروس التاريخ والتراث.

بالتأكيد الأهالي يفرحون لوجود من يساعد أبناءهم في التفاهم مع مدرّسيهم، وهذه أكثر نقطة تهمّهم. أما بالنسبة للأطفال، ففي البداية كان يزعجني انغلاقهم على أنفسهم وتحدّثهم بالعربية طوال الوقت؛ لأنه يؤخر تعلمهم اللغة الألمانية، لكن فيما بعد أصبحت أوضّح للأطفال الألمان أن عائق أطفالنا هو اللغة فقط، ويجب أن يساعدوهم على تخطي هذه العقبة، وبالفعل قلّ التوتر وبدؤوا يتقربون إلى بعضهم. وحالياً أصبحوا متجاوبين معي بطريقة رائعة، وعلى الرغم من صعوبة السيطرة عليهم في بعض الأحيان، إلا أنني فرحة لأنهم دائماً في تحسّن، وأصبحوا يتعلمون اللغة بوجه أسرع فقط من أجل أن يخبرونني بالكلمات الجديدة التي تعلّموها، وأصبحت ثقتهم بأنفسهم أعلى».

من مشاركتهم في الليلة العربية

وفي سبيل تحقيق مزيد من الاندماج في المجتمع الألماني تشارك "ضحى" برفقة طلابها في عدد من الأنشطة العامة، وعن ذلك تقول: «شاركنا بفعالية ثقافية ترفيهية اسمها "الليلة العربية"، تموّلها جامعتي وينظّمها طلاب عرب، حيث تعرض بها كل دولة فقرة تتكلم عن ثقافتها "رقصة، أكلة، موهبة، ..."، وقد شاركنا بعرض لمدة خمس دقائق قدمنا فيه بعض الألعاب المتعارفة في "سورية"، واخترت الألعاب المشتركة بين الثقافتين السورية والألمانية.

كما نظّمتُ مسابقة ترفيهية بين الأطفال العرب والألمان أقيمت في 27 أيلول، كان هدفها خلق صداقات بين الأطفال العرب والألمان، لكن بسبب تفاوت أعمار الأطفال المشاركين لم تحقق الفعالية الهدف المرجوّ منها، ولم يتحقق الانسجام بين الأطفال، لكن مع تكرار هذا النوع من الأنشطة سيعتاد الأطفال بعضهم بعضاً».

وعن الصعوبات، تقول: «عدم وجود استقرار نفسي في منزل الطفل هو من المشكلات التي تؤثر فيهم، وتعدّ إحدى صعوبات عملي معهم، وبالتأكيد عدم فهمهم للّغة والنظام المدرسي يسبّب مشكلات نحاول أن نتخطاها بأسرع وقت. ومن جهة أخرى أتمنى تطبيق المشروع في أكثر من مدرسة لإفادة أكبر قدر ممكن من الأطفال، لكنني أحتاج إلى متطوعين يعملون معي حتى يتحقق ذلك».

من جانبها حدثتنا "فراو هان" مديرة المدرسة التي تُطبّق فيها "ضحى" مشروع "ياسمين الشام"، وعن أسباب موافقتهم على المشروع والتغير الذي لمسوه لدى الأطفال، تقول: «السبب الذي جعلنا نرحب بالمشروع هو أننا جميعاً نودّ أن نقدّم المساعدة للأطفال ليتجاوزوا هذه المرحلة الصعبة، وبالتأكيد هناك تحسّن ملحوظ في نفسياتهم، وأصبحوا يلتزمون أكثر بأوامر مدرّسيهم، لكن هناك قسم آخر لم يتجاوب بعد، ومازالت لديهم حالة من اللّا مبالاة».

يذكر أن "ضحى الفياض" من مواليد "دير الزور"، عام 1990، متخرّجة في كلية الهندسة البتروكيميائية، جامعة الفرات، وحالياً تتابع دراسات عليا، ماستر اختصاص طاقة وعمليات هندسية في "ألمانيا".