ترك كل شيء إبان نزوحه إلى "الحسكة" قادماً من "دير الزور"، ولم يحمل معه إلا الشعر زاداً وزواداً لعثرات الحياة، يبوح له بكل لواعجه وهمومه، فلم تخذله القافية، لا في صدر البيت أو عجزه.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 10 كانون الثاني 2018، التقت الشاعر "فاتح الأشرم" ليحدثنا عن تجربته الشعرية، فقال: «منذ طفولتي، وعيتُ ذاتي في بيئة عامرة بالأدب والعلم، وحب التعلم، وقد نهلتُ من هذا المعين العذب؛ وهو ما ساعدني على تكوين مخزون أدبي ليس بالقليل، وخاصة من شعر الجاهلية؛ فقد عشقته كثيراً، وأدمنت على قراءة كل ما هو قديم، وشغفت به حتى حفظت خمس معلقات عن ظهر قلب. وفي مرحلة الثانوية قرأت الشعر الملحمي، وأعني ملحمة "اليونان" الخالدة "إلياذة هوميروس"؛ الأمر الذي جعل أستاذ مادة اللغة العربية يخصني بالاهتمام والتوجيه لكتابة الشعر، وقد عرضت عليه بعض كتاباتي الأولى، فأبدى إعجاباً بها، لكنها كانت متواضعة من حيث الوزن. تأثرت جداً بشعر العرب في العصور المتقدمة، وأقبلت على حفظ ديوان الشاعر الأمير "أبو فراس الحمداني"، حتى حفظت منه الكثير، وهو الذي دخل التاريخ، ومات في ذروة الشباب، وأعدّ نفسي متأثراً به، ولعلي أسير على خطاه أدبياً. ومن الشعراء الذين تأثرت بمذهبهم أيضاً "أبو القاسم الشابي"، شاعر الصورة الناطقة والقصيدة الحاذقة».

لا خوف على مستقبل الشعر، فهناك خامات جيدة، وقامات مؤتمنة، وديوان العرب لن يغادره حراسه، فالشعر احترام للشعور، وعنصر مهم من عناصر الأدب، أحببت من دنياي بعد الشعر الصيد، وخصوصاً صيد "الطائر الحر"، الذي يذكرني أيضاً بالشعر وشغفي به

وعن قصائده التي يحبها، والجوائز التي حصل عليها، أضاف: «كانت أولى قصائدي نظمتها في البادية، وكانت منعطفاً بمسيرتي الشعرية، حيث فازت بالجائزة الثانية بمسابقة "سعد صائب" سنة 1995. وتتالت قصائدي بالفوز لثلاثة أعوام متوالية، ورابعها سنة 2001 فزت بجائزة المسابقة، وآخر جائزة حصلت عليها سنة 2009 بمسابقة "يوم القدس العالمي" الذي تنظمه جمهورية "إيران" الإسلامية، وكنت حينئذٍ الوحيد من محافظة "دير الزور".

رشاد العبيد

كتبت الشعر الموزون، وشعر التفعيلة، ومتأخراً كتبت الشعر الشعبي والشعر النبطي؛ لأنني أعشق حياة البادية، وأحاديثها وأشعارها. وقد تنوعت قراءتي لمختلف أنواع الشعر، لكنني أدعم الكلاسيكي وأعشقه، وأنصح به، والإكثار من قراءته؛ لأنه ديوان العرب الأول، والباقي على الرغم من عواصف التغيير، وأرى من لا يحسن الموزون، ولا ينهل من عذبه، لا بقاء له في ديوان العرب».

وعن رؤيته للشعر ومستقبله، أضاف: «لا خوف على مستقبل الشعر، فهناك خامات جيدة، وقامات مؤتمنة، وديوان العرب لن يغادره حراسه، فالشعر احترام للشعور، وعنصر مهم من عناصر الأدب، أحببت من دنياي بعد الشعر الصيد، وخصوصاً صيد "الطائر الحر"، الذي يذكرني أيضاً بالشعر وشغفي به».

ومن أشعاره:

"شموخ النفس للعلياء جرار

سراج دونه الظلماء تنهار

شموخ النفس في الهيجا مطيتها

وسيف مرهف الحدين بتار

فكم شامخ دانت له الدنيا

كما دانت لذي القرنين أقطار"

ويقول أيضاً:

"يا ليت شعري والأسى خلانيا

لا أم لي بالدار ولا خلانيا

ريح النوى قد داهمتني بالحمى

فتزلزلت وتصدعت أركانيا

وتساقطت أوراق عمري غضة

ثم استشاطت بالحشا نيرانيا"

شارك "الأشرم" بمهرجانات شعرية كثيرة، مثل: مهرجان "قرقيسياء"، مهرجان "مو حسن" الثقافي، ومهرجان "السلمية" الثقافي، وفي المراكز الثقافية بـ"دمشق"، كما شارك بعدد من الأصبوحات والأمسيات في مدينة "الحسكة"، التي احتوته وأعطته الكثير من كرمها الدافق، وطيبة شعبها وأصالته، كما قال.

يقول عنه الباحث "رشاد العبيد": «"فاتح الأشرم" شاعر يمتاز بأسلوب أدبي رائع، ويتسم بالرشاقة والجزالة والرصانة الأدبية، وهو ينتمي إلى عائلة تهتم بالأدب والعلم والفقه وعلوم اللغة، كما أنه مع إبداعه بالشعر العمودي، كتب شعر التفعيلة، والشعر الشعبي، والشعر النبطي، وهو متعدد الأنماط الشعرية، وبرع بها متأثراً بالمخزون الشعري في المنطقة، والطبيعة التي تفتح قريحة أي شاعر، لتعدد مناظرها من النهر إلى الصحراء؛ فهو ينهل من معين لا ينضب».

يذكر أن الشاعر "فاتنح الأشرم" من مواليد "دير الزور" عام 1963.