سنوات ستّ توقفت خلالها الحياة الثقافية بكل مناحيها في محافظة "دير الزور"، وصار لدى الكثيرين من أبنائها -خاصة المهتمون والمختصون بالشأن الثقافي- خشية اندثار هذا التراث، مع ما تشهده منطقتهم من أحداث أدت إلى ضياع قسم كبير جداً مما يؤرّخ ويوثّق لهذه المنطقة التي اشتهرت تاريخياً بمنتجها الثقافي الفني العذب.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 24 شباط 2017 الفنان "يحيى عبد الجبار" المقيم في محافظة "الحسكة"، قائد فرقة "الفرات لإحياء التراث" التي حملت على عاتقها قبل عام 2011 مهمة توثيق وتجديد هذا التراث، وطرحت عليه المخاوف التي تشغل بال محبي التراث والفنون، فقال: «لا خشية على الأغنية الفراتية من الاندثار، فالموروث الشعبي المتتالي لا يندثر مهما حدث، لكنه قد يغيب مدة بسيطة ويعود بعدها بقوة، فلنعدّها استراحة مقاتل، وثقتي كبيرة بأن الأحداث التي مررنا بها ستحرض الكثيرين على إنتاج كمٍّ كبيرٍ من الأغاني الفراتية التي ستوثق معاناة أهل المنطقة».

من أهم خطوات الحفاظ على الأغنية الفراتية، وضع رقابة حقيقية على إنتاج الأغاني وترويجها، حيث إن هناك أغاني أمازيغية وصلت إلينا، وأخرى سوريّة بكلمات مبتذلة وألحان سخيفة تسيء للموروث الشعبي السوري

وتابع "عبد الجبار": «لم نعطِ الأغنية الفراتية حقها أساساً من عدة نواحٍ ولعدة أسباب، أهمها: جهل أغلب المطربين الذين يقدمونها من الناحية الفنية الأكاديمية، والفرق الموسيقية التي تشاركهم لم تكن بالمستوى المطلوب؛ وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى حرف الأغنية عن مسارها الأصلي، فيخرج المطرب عن قالبها الأساسي، ويسيء للأغنية ويقلل من جمالها، كذلك إصرار بعض المطربين على غناء بعض المفردات القديمة من دون تفسير؛ وهو ما يجعل الأغنية مبهمة بالنسبة إلى شريحة كبيرة من الجمهور».

الفنان يحيى عبد الجبار

ورأى الفنان "عبد الجبار" أن الحفاظ على الأغنية الفراتية يستلزم مجموعة من الأمور، على رأسها متابعة إقامة مهرجانات للحفاظ على التراث، وأخرى لتجديد الأغنية الفراتية بشعرٍ جديد وألحان جديدة، وأن يقوم بهذه المهمة أبناء "دير الزور" أنفسهم.

وقال: «لا بد أيضاً من الابتعاد عن المفردات العراقية التي تختلط ببعض كلمات الأغاني الفراتية، واستبدالها بمفردات ديرية لتكون الأغنية سوريّة خالصة، يضاف إلى ذلك ضرورة تعميم ونشر الأغاني الديرية في المناسبات والحفلات، كما فعلت أنا شخصياً بأغنيتي "مدلل" و"الخشوف" اللتين صارتا معروفتين على مستوى "سورية"».

الفنان جمال دوير

وختم: «من أهم خطوات الحفاظ على الأغنية الفراتية، وضع رقابة حقيقية على إنتاج الأغاني وترويجها، حيث إن هناك أغاني أمازيغية وصلت إلينا، وأخرى سوريّة بكلمات مبتذلة وألحان سخيفة تسيء للموروث الشعبي السوري».

أما الفنان "جمال دوير"؛ أحد أعمدة فرقة "الفرات لإحياء التراث"، فكانت وجهة نظره أن لا خوف على الأغنية الفراتية لأنها أصيلة كنهر الفرات، وقال: «أنا شخصياً أحافظ عليها وأروّج لها دوماً، حتى في جلساتي الطربية الخاصة أرددها دائماً، وأشرح للمستمع وأعرّفه بأن هذه الأغاني فراتية وليست عراقية، وهي إما من التراث الفراتي العريق، أو أغانٍ بكلمات جديدة من ألحاني».

ورأى "دوير" أن مهمة الحفاظ على هذا المنتج الثقافي تقع على عاتق المطربين الفراتيين الجدد بالدرجة الأولى؛ إذ عليهم ألا ينسوا تراثهم الفني، ومن ضمنه الأغاني الجديدة التي أطلقت قبل الأحداث في مهرجانات "الأغنية الفراتية الجديدة"، متمنياً على وسائل الإعلام، ومن ضمنها "eSyria" حفظ هذا التراث الجميل ومساعدة أهل المنطقة في الحفاظ عليه».

وكان لا بد من توجيه ذات الأسئلة إلى الجهة الحكومية المنوط بها دعم المنتج الثقافي والحفاظ عليه؛ مديرية ثقافة "دير الزور"، التي أوضح مديرها "أحمد العلي" أن الحفاظ على التراث ليس مسؤولية حكومية فقط، بل مسؤولية مجتمعية؛ لأن التراث هو ذاكرة الأمة والفنّ جزء منه، وقال: «سابقاً عملنا على جمع التراث وتوثيقه، وخاصة التراث الفني، وذلك من خلال دعم فرقة "الفرات لإحياء التراث" الغنائية، وفرقة "ماري" للفنون الشعبية، وقدمت هذه الفرق الكثير للجمهور، وفي عام 2010 وصلنا إلى مهرجان "الأغنية الفراتية" الخامس، ومهرجان "الأغنية الفراتية الجديدة" الخامس».

وأضاف "العلي": «لم تثنِنا ظروف الحرب عن مواصلة العمل، ففي عام 2013 بدأنا جمع عدد من أعضاء فرقة "الفرات لإحياء التراث" في مقر مديرية الثقافة المؤقت في حيّ "الموظفين"، وخصّصنا يومين أسبوعياً لتدريب الفرقة، وكذلك الأمر بالنسبة لفرقة "ماري" للفنون الشعبية، إضافة إلى إلقاء عدد من المحاضرات عن الفنّ الفراتي، واستمر الوضع على هذا النحو حتى عام 2015، لكن نتيجة الحصار تفرق أعضاء الفرق، وتوقف العمل نهائياً».