ليست الصورة وحدها، ولا الصوت وحده القادران على إيقاد ذاكرتنا عن مكان أو زمان ما.. بل للرائحة أيضاً مقدرة غريبة على دغدغة الذاكرة مهما كانت منشغلة، وإجبارها على الوقوف عند يوم معين من السنة.

هكذا حال رائحة "الكليجة" وهي من أنواع المعجنات في "دير الزور"، فبمجرد أن تشتم هذه الرائحة ستذكر العيد فوراً، فلا عيد دون "كليجة"، وفي هذه الحالة، ليس الهلال وحده الذي يحدد بدء العيد في "دير الزور"، بل ورائحة "الكليجة" أيضاً.

حالياً هناك الكثيرون من الذين يشترونها جاهزة من المحلات، لكن "كليجة" المنزل لها نكهة خاصة

تناول موقع eDair-alzor ولأكثر من مرة موضوع "الكليجة" وصناعتها، لكن هذه المرة ستجدون تفاصيل وصور جديدة بعد الزيارة التي قمنا بها إلى منزل السيدة "انتصار جمعة" ومرافقته إياها من بداية تجهيز "الكليجة" إلى أن أصبحت في صحون الضيافة، ونراهن بأنكم ستشمون رائحتها من الصورة.

تقطيع الكليجة غير المحشوة

قبل البدء بالعمل، سألنا السيدة "انتصار" "أم زياد" عن تاريخ "الكليجة" فقالت:

«لا أستطيع تحديد تاريخها، فمنذ أن كنت طفلة صغيرة، كانت "الكليجة" تُصنع في المنازل قبل العيد بيوم أو اثنين، لكن طبعاً هناك فروقات بين تلك الأيام وأيامنا الآن».

دهن العجين بالبيض

وتتابع السيدة "أم زياد":

قوالب الكليجة المحشوة بالتمر

«سابقاً كان الجيران يتجمعون في أحد منازل الحي ويصنعون "الكليجة" بكميات كبيرة، ومن ثم يحجزون دوراً في فرن السوق لشواء "الكليجة" بسبب قلة الأفران في المنازل في ذلك الوقت، ومن ثم تجلب من الفرن بـ (السَبَت) (سلة كبيرة مصنوعة من القش).

أما سبب تجهيز كميات كبيرة من "الكليجة"، فلأن قسماً منها كان يُوزع خلال زيارة القبور في اليوم الأول من أيام العيد».

وبعد أن اجتزنا مع السيدة "أم زياد" الجانب النظري، انتقلنا فوراً إلى الأهم:

كيف تصنع "الكليجة"؟ وما هي مكوناتها؟ وما أنواعها؟

فقالت:

«لـ"الكليجة" نوعان: المحشية والفارغة، وللمحشية عدة أنواع، فهناك من يحشوها بالتمر فقط، وهناك من يحشوها بالجوز أو بالسمسم أو بالراحة، لكن المتعارف عليها أكثر هي "الكليجة" بالتمر.

أما المقادير والطريقة فهي على الشكل التالي:

مقدار سمن + مقدار سكر + 4 مقادير دقيق منها تصنع عجينة "الكليجة" وتعجن بالحليب أو بالماء حسب الرغبة، ثم يُضاف إليها حبة البركة والسمسم والخميرة ثم تترك لتختمر.

والأهم الأهم في صناعة "الكليجة" خلط توابلها المسماة بالديري (روايح الكليجة) مع الدقيق، وهي عبارة عن قرنفل ومحلب وجوزة الطيب وقرفة.

وبعد أن تختمر تُشبك (تُفتح بأداة الشوبك) وتُقطع وتزركش إن كانت فارغة، أما المحشية فلها قوالب خاصة توضع بداخلها بعد أن توضع عجينة التمر داخل العجينة.

بعد ذلك نقوم بصف "الكليجة" في الصواني وتدهن بفرشاة خاصة بالبيض حتى تتقمر، ثم المرحلة الأخيرة وهي الشواء، ثم.. ألف صحة وهنا».

وأضافت:

«حالياً هناك الكثيرون من الذين يشترونها جاهزة من المحلات، لكن "كليجة" المنزل لها نكهة خاصة».

وبعد أن تذوقنا "الكليجة" التي ملأت رائحتها الزكية المنزل ومدخل البناء وامتزجت بروائح الشوي المنبعثة من عدة بيوت أخرى، أكدت لنا السيدة "أم زياد" أنها ومنذ أن تزوجت - وهي مدرّسة خمسينية – قليلة جداً الأعياد التي مرت دون "كليجة"، وقالت لنا ما قلناه سابقاً، بأن رائحتها مقترنة بالعيد.. وكل عام وأنتم بخير.