تعتبر مدينة "بصرى الشام" من المناطق الأثرية الجامعة لعدة حضارات متعاقبة، والشيء الذي تتميز به المدينة هو وجود علاقة مميزة بين الآثار الإسلامية والمسيحية حيث يجد السائح المسيحي ضالته من خلال الأوابد الأثرية التي تدل على عظمة الديانة المسيحية ومراحل تطورها، ومن أهم الأوابد المسيحية في المدينة كنيسة الكاتدرائية التي ظهرت عليها أول قبة في عالم البناء المسيحي.

أهمية تاريخية كبيرة اكتسبتها الكنيسة التي يعود تاريخ بنائها إلى عام 512- 513 ميلادي هذا ما تحدث عنه المهندس "أحمد علي" مدير دائرة آثار "بصرى" لمدونة وطن eSyria" بالقول: «تعتبر مدينة "بصرى الشام" من المناطق الأثرية الجامعة لعدة حضارات متعاقبة، حيث تتجاور الأوابد الأثرية المسيحية والإسلامية دون فاصل مكاني كبير، والشيء الذي تتميز به مدينة بصرى الشام، هو وجود علاقة مميزة بين الآثار الإسلامية والمسيحية، ومن أهم الأوابد المسيحية كنيسة الكاتدرائية، وهي بناء عظيم الشأن من الناحية المعمارية، فقد ظهرت عليه أول قبة في عالم البناء المسيحي، ولا يظهر منها للزائر الآن سوى بقايا الجدران الخارجية والمذبح، ويعود تاريخ بناء الكاتدرائية إلى عام 512 - 513 ميلادي. ويبلغ طول الكاتدرائية 51 متراً وعرضها 37 متراً. وهي موقوفة للقديسين "سرجيوس وباخوس وتيونتوس"، وقام ببنائها الأسقف "جوليانوس" المشهور باستقامته وشجاعته، وصراحته المقرونة بالجرأة التي عانى بسببها الكثير من المصاعب، وقد نفي من "بصرى" في نفس العام الذي افتتحت به الكاتدرائية بسبب رفضه التوجيه الذي بعث به "سيفروس" بطريرك أنطاكية، ويروى أن خصوم جوليانوس السياسيين وضعوا السم في كأس شراب قدموه إليه، وقد شرب الكأس بعد أن رسم علامة الصليب فلم يؤثر السم في جسمه».

أُقيمت القبة على إطار دائري بني فوق ثمانية أعمدة سيئة التنفيذ، ما أدى إلى تداعيها عدة مرات وإعادة بنائها. وكان فيها العديد من الأبواب والنوافذ والمحاريب لوضع التماثيل، جدرانها كانت مطلية ومرسومة ومغطاة بالمرمر، أما الجدران الخارجية فبسيطة دون زينة. فيها ثلاث حنيات أوسطها أوسعها وأعلاها، ولم يبق من زينتها الداخلية سوى بعض الرسوم للعذراء والملائكة القديسين. وكانت الجدران مكسوة بالرخام، ولم يبق منه إلا كسر قليلة. وقد تهدمت واجهة الكاتدرائية، ولم يبقَ فيها إلا قسم من الزاوية الشمالية الغربية للحائط الخارجي مع محرابه وزخارف "أفاريز"

وعن أقسام الكنيسة يقول الآثاري "علاء الصلاح" من دائرة آثار بصرى: «تتمتع هذه الكنيسة بطراز رفيع من الفن المعماري الأمر الذي حفز الإمبراطور "جوستينيان" إلى تشييد كاتدرائية "أيا صوفيا" في اسطنبول، وكنيسة رافينا في إيطاليا، وكذلك كنيسة "الرصافة" على غرار كاتدرائية "بصرى"، ومزينة من الداخل والخارج بمحاريب.

جانب من الكاتدرائية

ويتألف هيكلها من ثلاث حنيات، وعلى جدرانها صور ملونة "فرسيك" تمثل رسوماً للسيدة العذراء والقديسين، وتم العثور على أجزاء من لوحات فسيفساء من قبل البعثة الايطالية العاملة في بصرى عند المدخل الجنوبي من الكنيسة، وفي أجزاء متفرقة في الوسط. والكاتدرائية من الداخل عبارة عن دائرة محاطة بمربع شكلت الزوايا فيها محاريب، توسعت نحو الخارج من جهة الشرق لبناء الحنية وأربع غرف، اثنتان في كل طرف، فأصبحت بذلك مستطيلة الشكل وفيها 50 نافذة.

وكانت كاتدرائية "بصرى" مثالاً للمهندسين المعماريين في ذلك الوقت، لذلك أمر الإمبراطور "جوستينان" بعد سنين قليلة على بنائها ببناء كنيسة "ايا صوفيا" وكنيسة "رافين" في القسطنطينية مع تلافي الأخطاء المعمارية التي وقعت عند بناء كاتدرائية بصرى فبقيتا حتى الآن، وقد قامت بعثات أثرية فرنسية وأمريكية وايطالية بدراسة الكاتدرائية دراسة مفصلة».

البوابة

القبة التي ظهرت الأولى في عالم البناء المسيحي جدرانها كانت مطلية ومرسومة ومغطاة بالمرمر وهنا يتابع: «أُقيمت القبة على إطار دائري بني فوق ثمانية أعمدة سيئة التنفيذ، ما أدى إلى تداعيها عدة مرات وإعادة بنائها. وكان فيها العديد من الأبواب والنوافذ والمحاريب لوضع التماثيل، جدرانها كانت مطلية ومرسومة ومغطاة بالمرمر، أما الجدران الخارجية فبسيطة دون زينة. فيها ثلاث حنيات أوسطها أوسعها وأعلاها، ولم يبق من زينتها الداخلية سوى بعض الرسوم للعذراء والملائكة القديسين. وكانت الجدران مكسوة بالرخام، ولم يبق منه إلا كسر قليلة. وقد تهدمت واجهة الكاتدرائية، ولم يبقَ فيها إلا قسم من الزاوية الشمالية الغربية للحائط الخارجي مع محرابه وزخارف "أفاريز"».

مدينة بصرى الشام شهدت علاقة وطيدة بين الديانتين الإسلامية والمسيحية يسعى مسيحيو العالم ومسلموه لرؤية ولادة هذه العلاقة زمانياً ومكانياً، وعن هذه العلاقة يقول: «المدينة هي الآن شاهد حاضر على عظمة المراحل التاريخية التي مرت عليها، إلا أن الشيء الهام هو احترام كل حضارة لآثار الحضارات التي سبقتها، وهذا الأمر نادرا ما نراه في المناطق الأثرية في العالم، وهذا ما يفسره تجاور الأوابد الأثرية للديانتين المسيحية والإسلامية، فليس أروع ولا أجمل من حالة الانسجام والتلاحم بين الكاتدرائية ودير الراهب بحيرا من جهة، وبين جيرانها الجامع العمري وجامع مبرك الناقة والجامع الفاطمي من جهة ثانية.

اثار متبقية من الكاتدرائية

كما أن العلاقة بين هذه الآثار في مدينة بصرى الشام بين الديانتين هي علاقة تبشيرية، حيث بشر الراهب بحيرا من ديره بنبوة الرسول "محمد" صلى الله عليه وسلم، الذي زار مدينة "بصرى الشام"، وبني في مكان إقامته بالقرب من دير الراهب "بحيرا" جامع مبرك الناقة. ومن هنا جاءت القيمة الدينية لمدينة بصرى الشام سواء لدى المسلمين أو المسيحيين، والتي كانت أحد أسباب تشميلها على لائحة التراث العالمي في منظمة اليونسكو».