تكتسب أعمال الكشف عن معبد "درعا" الأثري أهمية كبيرة لكونها الخطوة الأولى والارتكازية في دراسة أحد المعالم الأثرية، والمنشآت المهمة في مدينة "درعا" القديمة التي بنيت خلال العصر الروماني، ويسلط الضوء على الواقع الديني الذي كان حاضراً بقوة في المدينة، وفترات الاستيطان خلال الفترة الرومانية والبيزنطية والإسلامية.

أهمية تاريخية كبيرة يكتسبها المعبد تحدث عنها لمدونة وطن eSyria الدكتور الآثاري "قاسم المحمد" من البعثة التي أشرفت على عمليات الكشف عن المعبد الذي قال لنا: «اكتشاف بقايا معبد من العصر الروماني خلال عمليات التنقيب، يضيف معلومات جديدة عن واحد من أهم الجوانب الدينية والمعمارية التي تسلط الضوء على الواقع الديني الذي كان حاضراً بقوة في مدينة "درعا"، وتكتسب أعمال الكشف عن المعبد أهمية كبيرة لكونها الخطوة الأولى والارتكازية في دراسة أحد المعالم الأثرية في مدينة "درعا" القديمة، والتي لعبت دوراً كبيراً خلال العصور القديمة، ولاسيما حقبة العصور الحجرية، إذ إن موقعها الجغرافي على "وادي الزيدي" الذي يمتد ما بين السفوح الجنوبية الغربية لجبل العرب، وما بين "وادي اليرموك" ساعد على نشوء مستوطنات ومدن خلال العصور اللاحقة.

تظهر من المعبد حالياً الواجهة الداخلية التي قد تكون الغرفة المقدسة والمحاريب الداخلية التي توضع عليها تماثيل الآلهة أو الأشياء النذرية أثناء إقامة الطقوس الدينية، ولم يتم العثور على المدخل الرئيسي للمعبد أثناء عمليات التنقيب ويتم الدخول إليه عبر مدخل مفتوح بالجانب الشرقي، إلا أن دلائل التنقيبات الأولية في المعبد تشير إلى وجود اتصال مباشر ما بين المعبد والمسرح، حيث كانت تقام العديد من النشاطات الدينية في المسرح. وتظهر أيضاً الواجهة الخلفية للمعبد بشكلها الأساسي دون إضافات، وتشاهد الأرضية في مساحة صغيرة وهي مبلطة بحجر البازلت، وأهم ما يميز المعبد وجود ملحق قبو يتم الوصول إليه بصعوبة تحمله أعمدة ذات طراز دوري وكورنثي، يحوي غرفاً صغيرة تفصل بينها ممرات تمتد على مساحة المعبد العلوي

حيث تشير النماذج الفخارية المكتشفة في موقع المعبد، إلى فترات الاستيطان خلال الفترة الرومانية والبيزنطية والإسلامية، وهذه المكتشفات تعتبر بغاية الأهمية لمعرفة التغيرات التي حصلت على المعبد خلال العصور اللاحقة لبنائه، وهناك دلائل أخرى تم العثور عليها تشير أيضاً إلى التطابق بين الفترات الزمنية التي استعمل المعبد فيها. وعلى الرغم من قلة اللقى الأثرية التي اقتصرت على بعض الكسر الفخارية وبعض النقود فإن التطابق بينها يشير إلى التاريخ الذي يمكن اعتباره مبدئياً الفترة التي بني فيها المعبد وهي الفترة الرومانية».

جانب من المعبد

وبالكشف عن النقود المسكوكة في المدينة والتي عثر عليها تيقن الباحثون من وجود مكان كانت تمارس به عبادة هذه الآلهة وهنا بدأ البحث عن المعبد ويتابع: «من خلال دراسة النقود المسكوكة في المدينة، والتي اشتهرت باسم نقود اليرموك من "درعا العربية"، يتبين الجانب الديني، حيث كانت عبادة الإله "ذو الشرى" ذات مكانة بارزة لدى سكان مدينة "درعا"، فقد ورد على أحد تلك النقود "ذو الشرى" إله الدرعاويين، وكان الشيء المميز لتلك النقود هو حضور نهر اليرموك على وجه النقود التي ظهر منها ثمانية نماذج تبرز على خمسة، منها "الربة تيكا" حامية المدينة والأخرى "لهرقل وأثينا اللات".

وانطلاقاً من دراسة النقود المكتشفة في المدينة، والتي ظهرت عليها صور وأشكال لآلهة محلية، تيقن الباحثون من وجود مكان كانت تمارس به عبادة هذه الآلهة، ما دفع الجهات المعنية بالآثار إلى القيام بعمليات تنقيب في المنطقة الأثرية بـ"درعا" القديمة للعثور على هذا المعبد، وبدء العمل على إزالة الأنقاض المتراكمة في قسمه الداخلي بهدف دراسته من الناحية الأثرية والتاريخية لما له من أهمية في معرفة تاريخ وآثار مدينة "درعا"، حيث يشكل المعبد أحد أهم المباني الأثرية المتبقية، ولاسيما أنه لم يذكر في أي مرجع تاريخي أو أثري من خلال الرحالة الذين زاروا مدينة "درعا" في القرنين التاسع عشر والعشرين، إضافة إلى دراسة البقايا المعمارية الأثرية المنتشرة في المنطقة الأثرية بمدينة "درعا"، والتي تقع تحت المدينة المأهولة حالياً».

الدكتور محمد نصر الله

وعن أقسام المعبد الأثري المكتشف يقول الدكتور "محمد نصر الله" مدير آثار "درعا": «المعبد يقع في المنطقة الأثرية في مدينة "درعا" القديمة، التي تشمل المدرج الروماني والشارع الروماني والكنيسة وأجزاء معمارية أثرية مختلفة. هذا المعبد الضخم هو إحدى المنشآت المهمة التي بنيت خلال العصر الروماني، وحسب الدراسات الأولية التي تم الحصول عليها يمكن القول إن هذا المعبد ذا الشكل المستطيل بمقاييسه الحالية والبالغة 18 متراً بـ 9 أمتار، يتشابه مع المعابد التي تضم قاعات مستطيلة، هي عبارة عن الغرف المقدسة، وباحات أمامية تحوي المذابح المكتشفة في مناطق حوران "كمعبدي المتاعية وسيع العائدين" للقرن الثاني الميلادي.

ولكن ما يميز معبد "درعا" عن بقية المعابد المعروفة هو وجود ملحق تحت الأرض قبو، وهذا الطراز يعتبر قليلاً في منطقة جنوب سورية، وأعمال التنقيب في الموقع المقرر كشفت عن بقايا المعبد والجدران المحيطة به من الجهات الأربع، ومنها الجدار الجنوبي البالغ ارتفاعه خمسة أمتار اعتبر الأهم لأنه احتوى المحاريب الثلاثة المقررة لوضع تماثيل المعبود الكبير في الوسط بارتفاع 2.5 متر، وعرض 1.5 متر، وعلى الجانبين محاريب بعرض أصغر متساوية وتقع في القسم الغربي».

احد ابواب المعبد

ويتابع: «تظهر من المعبد حالياً الواجهة الداخلية التي قد تكون الغرفة المقدسة والمحاريب الداخلية التي توضع عليها تماثيل الآلهة أو الأشياء النذرية أثناء إقامة الطقوس الدينية، ولم يتم العثور على المدخل الرئيسي للمعبد أثناء عمليات التنقيب ويتم الدخول إليه عبر مدخل مفتوح بالجانب الشرقي، إلا أن دلائل التنقيبات الأولية في المعبد تشير إلى وجود اتصال مباشر ما بين المعبد والمسرح، حيث كانت تقام العديد من النشاطات الدينية في المسرح. وتظهر أيضاً الواجهة الخلفية للمعبد بشكلها الأساسي دون إضافات، وتشاهد الأرضية في مساحة صغيرة وهي مبلطة بحجر البازلت، وأهم ما يميز المعبد وجود ملحق قبو يتم الوصول إليه بصعوبة تحمله أعمدة ذات طراز دوري وكورنثي، يحوي غرفاً صغيرة تفصل بينها ممرات تمتد على مساحة المعبد العلوي».