معبد الآلهة "تيكة" المكرس لآلهة السعادة، يتميز بمحاريبه المتوزعة على جميع الجدران، والتي يعتقد أنها كانت مخصصة لحمل التماثيل والمنحوتات الجميلة، اكتشف منذ القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر من قبل الرحالة والآثاريين الذين زاروا منطقة "حوران".

له قيمة تاريخية كبيرة من خلال كونه يعد النموذج الأقدم لبناء البازليكات في سورية، والعناصر الهندسية والزخرفية التي تزين المعبد جميعها من الطراز الكورنثي المنحوت في الحجر البازلتي الأزرق.

جميع العناصر المستعملة في بناء الجدران والأبواب والنوافذ والأعمدة والتيجان والإطارات والسطوح والأقواس والقواعد والبلاط الأرضي كلها من الحجر البازلتي الأزرق المستخرج محلياً من شرق مدينة "الصنمين"، حيث الحافة الغربية لمنطقة "اللجاة" التي هي عبارة عن نطاق صخري غني ببعض أنواع الصخور البازلتية الصلبة والقاسية والهشة

أهمية تاريخية كبيرة يكتسبها المعبد المكرس لآلهة السعادة هذا ما تحدث عنه الدكتور "محمد نصر الله" مدير دائرة آثار "درعا" "لمدونة وطن - eSyria" بالقول: «الآلهة "تيكة" أو إله الحظ في الميثولوجيا الإغريقية، ارتبطت بالآلهة غاد آلهة الينابيع والزيتون عند الشعوب السامية، اتخذت اسم "تيكة" منذ بداية العصر الهلنستي أي بداية مصاهرة الحضارة الشرقية والغربية مع دخول الإغريق إلى الشرق، والتي عرفت باسم الحضارة الهلنستية، وعند ذلك عرفت على أنها آلهة التوفيق والنجاح، وتشير النصوص إلى أن الكتابة المزدوجة كتبت بالإغريقية والسامية نسبة إلى اقتران اسم تيكة بغاد، وانتشرت عبادة الآلهة تيكة في العصر الروماني وشملت كامل مناطق سورية باسم الإله المشرق اللامع مقترنة مع الآلهة المحلية في كل مدينة، وفي جرش اقترنت مع الآلهة التي بني لها أجمل معبد في المدينة على الشارع الرئيسي، وفي المناطق الفينيقية اقترنت مع الآلهة عشتار، وظهرت على نقود المدينة باسم " تيكة" كما هو الحال في أنطاكية والصالحية، ووجد المعبد في منطقة جغرافية غنية ببيوت العبادة منذ فجر التاريخ لكونها موطن ولادة الديانات السماوية».

جانب من المعبد

المعبد عبارة عن مبنى بشكل مستطيل ويتوسطه مقصورة الآلهة وهنا يتابع: «المعبد يقع في وسط مدينة "الصنمين"، التي تعد أهم مدن حوران ولها أهمية بارزة في التاريخ، تتوسط طريق عام "درعا- دمشق" على بعد 50 كم، وهو عبارة عن مبنى بشكل مستطيل أبعاده 150 م شمال جنوب، و 100 م شرق غرب تقريباً، محاط بأروقة ومحاريب ومداخل متعددة أكبرها المدخل الرئيسي ذو الحجم الهائل والذي يبلغ طوله وعرضه حوالي 5 م، يتوسطه مقصورة الآلهة التي تشرف من الجنوب على بركة مياه مكرسة لآلهة الينبوع، والمعبد مزود بمقاعد للجلوس وبغرف متعددة وأماكن لذبح القرابين وغرف للاستقبال والإقامة والاحتفالات.

يتوسط الجدار الجنوبي للمعبد محراب مزين ذو قطر 3 م، يرتفع عن أرضية المقصورة بمتر واحد ويعلوه أكليل مزين من زخارف هندسية جميلة.

الدكتور محمد نصر الله

كما يوجد مقصورة على شكل مستطيل يبلغ طولها 20 م، وعرضها وارتفاعها 15 م، ولم يبق من بناء المعبد سوى المقصورة التي بنيت على شكل مستطيل، ويزين مقدمة المقصورة الجنوبية أعمدة ذات قواعد وتيجان وكورنيش من الطراز الكورنثي الرائع، أما الجدران الجانبية فهي مزينة بدورها بواسطة أنصاف أعمدة بارزة من ضمن البناء ويعلوها تيجان كورنثية أيضاً، ويحتضن المحراب حجرتان، الحجرة الغربية اليمنى تحتضن بداخلها الدرج الذي يقود إلى سطح المقصورة، وآخر يتمخض عنه، يتم الصعود عن طريقه إلى الدكة التي كان يتوضع فوقها تمثال الربة "تيكة"، والغرفة الشرقية اليسرى مكونة من طابقين، ولها مدخل صغير يؤدي إلى حجرة صغيرة ومفرغة تقع في أسفل المحراب خصصت من أجل النذر والقرابين المقدمة للآلهة».

الكتابات المكتشفة من قبل الرحالة والآثاريين في المعبد تبين تاريخ اكتشافه وهنا يشير المهندس "إياد الفروان" رئيس شعبة آثار "الصنمين": «الرحالة والآثاريون الذين زاروا حوران اكتشفوا المعبد منذ القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر وتحدثوا عن كتاباتها وآثارها، وتشير الكتابات الاتينية التي اكتشفت إلى أن بناءه كان مكرساً لآلهة السعادة التي أقامته الربة "تيكة" المعروفة بأنها من الآلهة التي عبدها السكان في تلك الفترة، ومن هذه الكتابات التي وجدت على سقف المدخل الرئيسي تشير إلى تاريخ بنائه الذي يعود إلى عام 191 ميلادي، ووجد أيضاً ستة قناصل تحمل تماثيل بعض الآلهة والقادة العسكريين ذكر اسم اثنين منهما على قنصلين وجدا في الجدار الغربي.

واجهة المعبد

ويعتقد أن البناء أسس في الماضي ليكون معبداً مزدوجاً عسكرياً ومدنياً، وبعد "الآلهة تيكة" جاء "جوليانوس" زعيم الكتيبة الغالية الثالثة من بلاد الغال فرنسا حالياً، والذي أسس هذا المعبد للطائفة الأريزية ونسبة إلى اسم هذه الطائفة دعيت الصنمين في قديم باسم "أرينا"».

يضيف: «تزين المعبد عناصر هندسية وزخرفية جميعها من الطراز الكورنثي المنحوت في الحجر البازلتي الأزرق، الذي ظهر في حوران منتصف القرن الثاني للميلاد فترة ازدهار العصر الروماني في المنطقة أي فترة سلالة الأباطرة الرومان المنحدرين من أصل سوري.

ويوجد أعمدة ذات ارتفاع كامل ب 15م تحتوي على قواعد مع تيجان وكورنيش مشكلة رواقاً في مقدمة المقصورة يحيط بتمثال الربة "تيكة"، كما يوجد في مقصورة الآلهة المحراب متوجاً بالزخارف الهندسية وزخارف على شكل أشعة الشمس المنطلقة من نقطة في الوسط لتتسع وتملأ كامل قلنسوة المحراب.

بالإضافة إلى وجود إطار من كورنيش يشكل نطاقاً محمولاً على كامل الأعمدة وأنصاف الأعمدة البارزة من الجدران محيطاً بكامل المقصورة من الداخل، حيث زود الكورنيش بزخارف مزدوجة مطلة إلى الأسفل والأمام، ونحتت على وجهين من كل حجر، كما تحتوي على أشكال زخرفية من أوراق العنب والعناقيد البيضوية وأوراق ازهار مختلفة، بالإضافة إلى تزيين الأروقة التي أحاطت بالمعبد من الجهات الخارجية والداخلية الأربعة وكذلك تزيين المداخل والنوافذ».

يتابع: «جميع العناصر المستعملة في بناء الجدران والأبواب والنوافذ والأعمدة والتيجان والإطارات والسطوح والأقواس والقواعد والبلاط الأرضي كلها من الحجر البازلتي الأزرق المستخرج محلياً من شرق مدينة "الصنمين"، حيث الحافة الغربية لمنطقة "اللجاة" التي هي عبارة عن نطاق صخري غني ببعض أنواع الصخور البازلتية الصلبة والقاسية والهشة».

أما العناصر الهندسية والزخرفية التي تزين المعبد فجميعها نفذت ونحتت من الحجر البازلتي، كما يوجد إطار من الكورنيش مشكلاً نطاقاً محمولاً على كامل الأعمدة التي تحتوي أشكالاً زخرفية من أوراق الأزهار المختلفة بالإضافة إلى أفاريز وأشكال هندسية متنوعة، وزود الكورنيش بزخارف مزدوجة مطلة على الأسفل والأمام حيث نحتت على وجهين من كل حجر».

وجدت داخل المعبد العديد من الكتابات وجميعها كتبت باللغة اللاتينية، وأهمها نص كتب فوق ساكف المدخل الرئيس يشير إلى أن تاريخ بناء المعبد حيث كان بناؤه مكرساً إلى آلهة السعادة التي أقامته الربة "تيكة"، ووجدت كتابة نقشت على الجانب الشرقي من المحراب تشير إلى اسم الآلهة تيكة ومكانها في المعبد.