صناعة الفخار تعد من أقدم وأهم الحرف التقليدية التراثية في حوران، بدأت قبل /7/ آلاف عام قبل الميلاد، نظراً لطبيعة حوران التي قدمت لصانعي الفخار المواد الأولية، فتنوعت أحجام القطع الفخارية كما تعددت استخداماتها.

الآثاري "ياسر أبو نقطة" تحدث لموقع eDaraa بتاريخ "18/8/2011" عن تاريخ صناعة الفخار في حوران بالقول: «طبيعة حوران قدمت لصانعي الفخار المواد الأولية، فلم يحتاجوا لمواد مستوردة من بيئات أخرى لكونها تتمتع بتنوع التربة من سوداء أو حمراء أو صفراء، والفخار الحوراني أصبح في العصر الروماني جميلاً ومتقناً إذ استخدمت القوالب في عملية التصنيع سواء قوالب الخشب أم الحجر أم العظم.

تشكل صناعة الفخار في حوران عبر مر العصور والسنين، تراثاً عريقاً، وتعتبر عبر الزمن جزءاً لا يتجزأ من موروثها الفلكلوري والحضاري والشعبي، واليوم مازالت تتواجد في معظم المناطق وخصوصاً البيوت القديمة التي لا تزال تحافظ على التراث القديم

كما ظهر الفخار الأسود الذي ينتج عن استخدام خلطة ترابية سوداء أو من شي الفخار بأفران مغلقة كثيفة الدخان، وظهر الفخار الأحمر ذو البريق المعدني، وبدأ الإنسان بالاعتناء بالخطوط والنقوش والأشكال التزيينية النباتية والحيوانية».

الاثاري ياسر أبو نقطة

بعثات التنقيب المحلية والأجنبية كشفت أن صناعة الفخار في حوران بدأت قبل 7 آلاف عام قبل الميلاد وهنا يقول: «كشفت البعثات التنقيبية صناعة الفخار في حوران قبل 7 آلاف عام قبل الميلاد، وأشارت هذه التنقيبات إلى أن إنسان حوران قبل أن يعرف الأديان السماوية اعتقد بالحياة الأخرى التي سيحياها بعد الموت، ما يستدعي منه تأمين مستلزمات هذه الحياة بأدوات بسيطة كتلك التي يستخدمها في الطعام.

وتنوعت أحجام القطع الفخارية المكتشفة كما تعددت استخداماتها لكن أهمها تلك التي وجدت في المدافن، وتعود لعصر البرونز القديم الممتد من 3100-2100 قبل الميلاد، وعصر الحديد والعصور الكلاسيكية: الهلنستية، النبطية، الرومانية، البيزنطية، والعصر الإسلامي بتقسيماته».

لقى فخارية في متحف درعا

استخدمت القوالب في صناعة الفخار الحوراني في العصر الروماني وبهذا المجال يتحدث: «بدأ الإنسان في العصر الروماني بالاعتناء بالخطوط والنقوش والأشكال التزيينية النباتية والحيوانية، وظهر الفخار الأسود الذي ينتج عن استخدام خلطة ترابية سوداء أو من شي الفخار بأفران مغلقة كثيفة الدخان. وتميز العصر الإسلامي بكل فتراته بالاستفادة من تطور الفتوحات والعلوم والعصور السابقة والتجارة، فتأثر الفخار بالفنون في الصين وإيران، وظهرت تقنية جديدة في هذا العصر تتمثل بطلاء الفخار بأكسيد المعادن إضافة إلى الحصول على الفخار المزجج بتنزيل أكثر من لون على الآنية الواحدة».

وعن أهم النماذج الفخارية التي اكتشفت في المنطقة قال: «ظهرت أهم الاكتشافات الأثرية والنماذج الفخارية في مناطق "المسمية واليادودة وتل الأشعري وقرفا وعلما"، وأهمها جرار تخزين الحبوب وأواني الشرب والأطباق والجرار والمياه وقوارير صغيرة للتجميل والأسرجة وقناديل الإضاءة والأواني متعددة الاستخدامات والأحجام، وتم اكتشاف العديد من الأشكال المتنوعة التي تقدم ملامح صناعة الفخار ودرجة الإتقان التي وصل إليها الإنسان والتقنيات الجديدة التي ابتكرها نتيجة التمازج الحضاري وتطور العلوم بشكل عام».

الدكتور محمد نصر الله مدير أثار درعا

حوران تميزت بأنها المصدر للفخار الأسود الموخوز بالإبر وهنا يقول الدكتور "محمد نصر الله" مدير دائرة آثار "درعا": «تميزت حوران بالفخار الأسود المزخرف بالوخز بالإبر المكتشف في منطقة "درعا البلد وعشترة وتلال الأشعري وتل شهاب والشيخ سعد"، وأشارت الدراسات الحديثة باحتمالات أن تكون حوران المصدر للفخار الأسود الموخوز بالإبر، ما يؤكد وجود تواصل حضاري سواء بالتجارة أو الغزوات بين المنطقتين، لكنه يرجح أن ينسب هذا النوع من الفخار إلى منطقة "سيناء"، وبأنها كانت المصدر الرئيس لهذا النوع من الفخار، وقدمت طبيعة حوران لصانعي الفخار المواد الأولية فلم يحتاجوا لمواد مستوردة من بيئات أخرى لكونها تتمتع بتنوع التربة من حمراء أو صفراء أو سوداء».

وتابع مدير دائرة الآثار حديثه بالقول: «ملامح هامة قدمها الفخار لتطور العلوم وفكر الإنسان الديني والاقتصادي، فعمل على حماية نشاطه التجاري من استيراد وتصدير، وعرف حماية الملكية على طريقته من خلال استخدام أختام مسطحة أو اسطوانية، ووضع رسوماً خاصة بكل تاجر على هذه الأختام فوق أغطية جرار التصدير لحمايتها من السرقة أو الضياع، وشهدت منطقة "درعا البلد" علاقات تجارية بين حوران وقبرص، إذ عثر فيها على قطع فخارية تبين أنها قبرصية المنشأ بيضاء اللون رقيقة الجدران مزخرفة بخطوط حمراء دائرية».

حاضرة الأنباط "بصرى" تميزت بوجود مجموعة نادرة من الفخار وهنا تقول المهندسة "وفاء العودة" مديرة آثار "بصرى": «كانت "بصرى" إحدى مدن الديكابولس على موعد مع مجموعة نادرة ومتميزة من الفخار التي تشهد على الأهمية السياسية والتجارية لهذه المدينة، وعثرت البعثات على قطع فخارية للاستعمال اليومي في السوق الأرضية والمسرح الموسيقي والحمامات الرومانية، كما تدل الاسرجة العائدة إلى الفترة الإسلامية على الاهتمام الكبير بالتزجيج والزخرفة بالرسوم الهندسية، ويضم متحف "بصرى" مجموعة كبيرة من القطع الفخارية التي تعود لعصور البرونز الحديث والحديد والهلنستي والنبطي والروماني والبيزنطي والإسلامي».

والتقينا السيد "حسين عرار" مدير الثقافة في محافظة "درعا" الذي قال لنا: «تشكل صناعة الفخار في حوران عبر مر العصور والسنين، تراثاً عريقاً، وتعتبر عبر الزمن جزءاً لا يتجزأ من موروثها الفلكلوري والحضاري والشعبي، واليوم مازالت تتواجد في معظم المناطق وخصوصاً البيوت القديمة التي لا تزال تحافظ على التراث القديم».