تشغل الحمامات المركزية الرومانية في مدينة "بصرى" الأثرية موقعاً متميزاً وسط المدينة القديمة، وهذا يعكس أهميتها في حياة السكان في العهد الروماني، خاصة أنها كانت خلاله مكاناً لعقد الصفقات التجارية وتبادل الأخبار والمعلومات.

للتعرف على أهمية وتاريخ الحمامات المركزية في مدينة "بصرى الشام" الأثرية التقى موقع eDaraa بتاريخ "11/8/2011" السيدة "وفاء العودة" رئيسة دائرة آثار "بصرى" التي قالت: «يعود تاريخ الحمامات المركزية إلى أواخر القرن الثاني الميلادي، وأوائل القرن الثالث الميلادي، مدخلها الرئيسي على الشارع المستقيم، مواجه لمعبد حوريات الماء، وهي على شكل حرف T المقلوب.

أشارت اللقى الأثرية التي تم الكشف عنها، ولاسيما الأدوات والكسر الفخارية إلى أن الحمامات شهدت في القرن الرابع ومطلع القرن الخامس مرحلة إصلاحات وتنظيماً دقيقاً ومتسعاً وإشادة أبنية جديدة، وبناء فسحة خارجية في القرن السادس لتتغير صورة التنظيم والتوظيف للحمامات في القرنين الثاني عشر والثالث عشر للميلاد من خلال بناء مجموعة من الحوانيت التجارية فوق الشوارع المحيطة بالحمامات

أمام المدخل يوجد بقايا رواق أعمدته الثمانية أيونية، ثم يليه بهو مثمن ومزين بثلاثة محاريب مرتفعة، وهو المشلح حيث يخلع المستحمون ثيابهم، ثم صالة مستطيلة هي القسم البارد من الحمام، ثم صالات ثلاثة، الوسطى هي القسم الدافئ، والجانبيتان هما الحامي، الصالة الوسطى سقفها على شكل قبة مبنية بالأحجار البركانية الخفيفة، وعلى سطح الحمام توجد بقايا تمديدات المياه التي كانت تزود الحمام بالماء».

الحمامات من الداخل

وتتابع مديرة الآثار حديثها بالقول: «الناس في مدينة "بصرى" كانوا يستحمون دائماً حتى أصبح الاستحمام عادة يومية مسائية تستغرق أربع ساعات، وكان الدخول إلى الحمام لقاء أجر، ثم أصبح مجاناً، وكان الأغنياء يبنون الحمامات ويلتزمون بنفقاتها أيضاً.

ومعظم الحمامات الرومانية تشترك في وجود مجموعة من الغرف منها ما هو للاغتسال، وأخرى للاسترخاء، إضافةً إلى غرف البخار. ومرت الحمامات بعدة مراحل حتّى وصلت إلى مرحلة الحمامات الفردية في المنازل، بعدما كانت الحمامات الشخصية في وقت سابق مقصورة على الملوك، ولكن عهد الأنباط شهد وصول الحمامات إلى البيوت لتصبح شعبية».

الاثاري ياسر ابو نقطة

وعن أهمية الحمامات في حياة السكان الاجتماعية قالت: «نالت الحمامات أهمية كبرى في حياة السكان الاجتماعية بمدينة "بصرى" في العهد الروماني، فكان السكان يتوافدون إليها فيقومون أولاً بالتمارين الرياضية، ويسترخون بعدها تاركين لعامل خاص تدليك أعضاء جسمهم. ومع أن الحمامات الخاصة كانت منتشرة لدى المترفين من أبناء المدينة، إلا أن ذلك لم يمنع دخول فئة منهم إلى الحمامات العامة بغية الحديث مع الأصدقاء، وعقد الصفقات التجارية وتبادل المعلومات والاسترسال في الجدل. وكانت الحمامات مزودة بجميع الوسائل التي تؤمن للمستحم الرياضة والنظافة والماء الغزير والحرارة الدائمة».

الآثاري "ياسر أبو نقطة" تحدث لموقعنا عن تاريخ الحمامات وأقسامها بالقول: «الرومان هم أول من ابتكر استخدام الحمامات العامة، التي يعود تاريخها إلى القرن الثاني الميلادي، فمعظم المدن الرومانية تحتوي على حمام واحد على الأقل حيث الينابيع الساخنة الطبيعية، وقد كانت الحمامات مكانا هاما في حياة الرومان، وتستخدم من قبل الجميع، أغنياء أم فقراء، حر أم عبد.

جانب من الحمامات

وكانت ليس مجرد حمام للاستحمام فقط وإنما مبنى اجتماعي، حيث يمكن لأي شخص أن يأكل، ويمارس القراءة أو التسوق، أو يجتمع بأصحابه، أو مناقشة السياسة، وكانت تزود المياه من نهر مجاور أو تيار، أو عن طريق قناة».

وتابع الآثاري "أبو نقطة" حديثه بالقول: «من المعروف أن يمر المستحم بالحمام الروماني بجميع الصالات فبعد أن يخلع ملابسه له أن يمكث قليلاً في صالة المياه الباردة أو صالة المياه الفاترة، ويدخل بعدها إلى صالة المياه الحارة، حيث يرتفع البخار فيساعد على إفراز العرق من البدن، وفي هذه الصالة عدة أجران ومغاطس مملوءة بالماء الفاتر والماء الحار ليغطس فيها من يشاء، وجرت العادة أن يعود المستحم إلى أخذ حمام بارد قبل الخروج من الحمام. وكان في مدينة "بصرى" عدا الحمامات المركزية ثلاثة حمامات كبيرة عامة تقدم خدمة التدليك للزبائن عبر اختصاصيين، كما كان من الممكن تعديل الحرارة بواسطة ترس معلق تجاه فوهة الموقف بسلسلة يستطيع الشخص أن يجذبها أو يرسلها، فينزل ويصعد الترس أمام الفوهة، وهكذا ينطلق الهواء الساخن والبخار ويمد البلاط بالحرارة، أما الماء فكان يندفع من خلال قساطل من الفخار تدخل في أقنية معدة في الجدران».

شهدت بعض المراحل في الحمامات المركزية إصلاحات وتنظيماً، وهنا يقول: «أشارت اللقى الأثرية التي تم الكشف عنها، ولاسيما الأدوات والكسر الفخارية إلى أن الحمامات شهدت في القرن الرابع ومطلع القرن الخامس مرحلة إصلاحات وتنظيماً دقيقاً ومتسعاً وإشادة أبنية جديدة، وبناء فسحة خارجية في القرن السادس لتتغير صورة التنظيم والتوظيف للحمامات في القرنين الثاني عشر والثالث عشر للميلاد من خلال بناء مجموعة من الحوانيت التجارية فوق الشوارع المحيطة بالحمامات».