اشتهرت محافظة "درعا" بوجود البرك وأقنية جر المياه الأثرية، التي برهنت على قدرة سكانها منذ القدم على التكيف مع أصعب الظواهر الطبيعية، وتطويع جغرافية المدن وعلوم الهندسة، في جر المياه من منابع بعيدة إلى قلب المدن لدعم مصادرها المائية.

وحول إقامة البرك والأقنية الأثرية في "درعا" وأهميتها، تحدث الآثاري "ياسر أبو نقطة" من مديرية آثار "درعا"، بتاريخ "17/ 3/2011" لموقع "eDaraa" قائلاً: «شكلت المياه منذ أقدم العصور معضلة أمام سكان "حوران"، لذا فكروا في ابتكار حلول لجر المياه من مسافات طويلة، وتخزينها وتجميعها، لاستخدامها لأغراض الشرب والاستحمام والري وسقاية المزروعات، والحفاظ على محزون معين منها.

يندرفي "درعا" وجود مدينة دون بركة تشكل مخزونا استراتيجيا لها، لكن تعد "بصرى، وإنخل، والطيبة" من أهم المدن التي عرفت تقنيات جر المياه في المحافظة، كما تعد منطقة "اللجاة" من المناطق المليئة بالخزانات المحفورة بالصخر، وهو ما يدل على أن سكانها استطاعوا استجرار المياه منها

وبالفعل استطاعوا وعبر تقنياتهم الفريدة آنذاك، تحدي الجفاف وإقامة الأقنية والبرك المائية، واستجرار المياه عن طريق أقنية حفرت في الصخر، وتجميعها بأحواض على شكل برك صغيرة وكبيرة، ليتم استخدامها من قبل السكان داخل المدن، وتشير التقديرات أن هذه التقنيات ظهرت منذ السنوات الأولى للميلاد، متزامنة مع تطور فن العمارة على أطراف الأودية وقرب منابع المياه».

الآثاري ياسر أبو نقطة

وتابع "أبو نقطة" حديثه بالقول: «يندرفي "درعا" وجود مدينة دون بركة تشكل مخزونا استراتيجيا لها، لكن تعد "بصرى، وإنخل، والطيبة" من أهم المدن التي عرفت تقنيات جر المياه في المحافظة، كما تعد منطقة "اللجاة" من المناطق المليئة بالخزانات المحفورة بالصخر، وهو ما يدل على أن سكانها استطاعوا استجرار المياه منها».

وعن أهم البرك الموجودة في المحافظة قال "أبو نقطة": «هناك العديد من البرك التي لا تزال معالمها موجودة حتى الآن أهمها؛ بركة "الحاج" والبركة الشرقية، الواقعتان في مدينة "بصرى"، بنيت الأولى في العهد الأيوبي، بغية سقاية الحجيج المارين فيها أثناء ذهابهم إلى مدينة "مكة" والعودة منها، ولتزويد خندق القلعة وآبارها بالمياه، طولها / 155/ م وعرضها /122/ م، وعمقها /8/ م من جهة الشرق و/12/ م من الجهة الغربية.

الآثاري اسماعيل الزوكاني

ويتوسطها ركيزة مربعة الشكل أحدثت لاستراحة السباحين فيها، تذكرنا بالركائز التي تتوسط المعابد الوثنية الشرقية، مما ذهب ببعض علماء الآثار إلى الظن بأن هذه البركة تعود للعصر الروماني، تم ترميمها في عام /1982/ من قبل المديرية العامة للآثار».

أما البركة الشرقية فتقع شرق الطريق الواصل إلى "مبرك الناقة"، وهي أقدم خزان مياه قائم حتى الآن، شكلها مربع وطول ضلعها /114/ متر وبعمق/ 6/ أمتار، ويعود تاريخ بنائها للعصر النبطي، وقد كانت متصلة بمدينة "بصرى" بواسطة أنابيب، وقد تم ترميم جدرانها في عام /1982/ أيضاً».

أقنية مياه

وفيما يخص الأقنية الأثرية يقول الآثاري "اسماعيل الزوكاني" من دائرة آثار "الصنمين": «تعتبر قناة "فرعون" التي تقع شرق مدينة "إنخل" وغرب قرية "الدلي"، أهم قناة أثرية في المحافظة، كما أحتلت الصدارة في الأحاديث والأساطيرالشعبية التي تقول أنها بنيت بحجارة من السماء، في عهد أحد فراعنة "مصر" لجر المياه من "حوران" إلى "مصر" إرضاء لابنته.

فيما تشير الدراسات أنها بنيت في فترة حكم الغساسنة، أي أن عمرها يبلغ نحو ألفي عام تقريباً، لتخديم بعض مدن وقرى "حوران" بالمياه، تمتد القناة من ينابيع الثريا في "إنخل"، حتى بلدة "أم قيس" شمال "الأردن"، بطول /70/ كم، وتغذيها مجموعة من الينابيع يصل عددها إلى ثلاثين ينبوعاً أهمها "دام والدنانير"، ما يؤشر على خصوبة هذه المنطقة وغناها بمصادر المياه السطحية والجوفية».

وفيما يتعلق بالشكل الخارجي للقناة ذكر "الزوكاني": «تعد القناة ظاهرة معمارية قوامها الحجارة البازلتية، والقطع الصغيرة المخلوطة مع المادة الكلسية القاسية "الملاط الأبيض"، إضافة إلى الحجارة المطحونة لزيادة المتانة وعدم تحلل الكلس، ويتمثل الشكل الخارجي للقناة بواجهة مكسية بقطع بازلت حجرية كبيرة ومتوسطة الحجم لحمايتها، وتظهر بعض أجزائها عند سفوح الأودية، كالوادي الواقع شرق مدينة "الشيخ مسكين"، حيث ترتفع واجهاتها إلى مايزيد على سبعة أمتار، إضافة إلى وجود قناطر ترفعها للحفاظ على منسوب المياه».