رغم مضي نحو/1500/ سنة على إنشائها، ما زالت كنيسة "مارجورجيوس" في مدينة "ازرع"، صامدة في وجه التاريخ، في الوقت الذي تكتسب فيه أهمية أثرية ودينية وتاريخية وهندسية.

يقول السيد "منير الذيب" باحث في قضايا التاريخ والتراث الحوراني لموقع "eDaraa": «لكنيسة "مارجورجيوس" أهمية أثرية لكونها بقيت محافظة على وضعها الذي بنيت عليه دون أي تغيير يذكر، وأهمية هندسية بعد أن أدرجت طريقة تصحيحها في مراجع وكتب الهندسة المعمارية في معظم دول العالم، باعتبارها تمثل المرحلة الأولى من مراحل البناء الديني في العصر البيزنطي، ويعد بناؤها متيناً جداً، وتمارس فيها الطقوس الدينية حتى يومنا هذا».

لا تزال الكنيسة حتى اليوم وثيقة تاريخية شاهدة على النمط المعماري الكنسي الذي اشتهرت به المنطقة في أوائل القرن السادس الميلادي، وقد كان لأساقفتها دور مهم في انتشار المسيحية، ومن أبرزهم "نونوس" الذي شارك في مجمع خلقيدونية في العام /451/م، برفقة أساقفة "بصرى" وستة عشر أسقفاً من البلاد العربية

وقال الآثاري "ياسر أبو نقطة" من دائرة آثار"درعا": «مازالت الكنيسة تحافظ على أصلها الأول، ولعل التغيير الوحيد الذي أصابها قد نتج عن الحروب التي خربت جزءاً من قبتها، في أعقاب حملة "إبراهيم باشا" على "سورية" عام /1840/م، ثم رممت في عهد البطريرك "غريغوريوس حداد" الذي دشنها بنفسه ضمن احتفال سنة /1911/م، ومنذ ذلك التاريخ لم تصب بأي تشويه كما يفيد بذلك سكان مدينة "أزرع"».

وحول هذه الكنيسة الآثرية الهامة تحدث الدكتور "محمد نصر الله" رئيس دائرة آثار "درعا" بتاريخ 6/3/2011 لموقع "eDaraa" قائلاً: «بنيت الكنيسة في أواخرعام /515/م، فوق أساسات معبد وثني للآلهة "ثياندريت"، وعاصرت أشهر الكنائس في العالم القديم أمثال "كنيسة سيرجيون وباخوس في بصرى، وكنيسة سانت فيتال في ايطاليا، وكنيسة آيا صوفيا في استنبول".

وتشير الكتابات اليونانية التي نقشت على عتبة بابها الرئيسي من الجهة الغربية، أن الشخص الذي بناها هو "يوحنا بن ديوميدس" الذي كان عضواً في مجلس أعيان المدينة، وأراد أن يخلد ذكر "جورجيوس" الذي استشهد في "حوران" ودفن فيها، وذلك في عهد الأسقف "فاروس"، الذي تتمثل فيه كيفية انتقال الكنائس من الطراز البازليكي المستطيل إلى الشكل المربع الذي تعلوه قبة من الحجر، قائمة على قاعدة مثمنة الشكل».

وفيما يخص ميزاتها قال "نصر الله": «تعتبر كنيسة "مارجورجيوس" أول كنيسة تبنى حسب الشكل المعماري المربع للقاعة الرئيسية، والذي يقوم على ثمانية أعمدة، يعلوها جدار يحمل القبة البيضوية، ويحيط بها رواق ويوجد في زواياها الأربع محاريب كبيرة، يبلغ طولها نحو/27/ متراً وعرضها تسعة عشر متراً، ويصل ارتفاعها دون القبة إلى عشرة أمتار، ومع القبة إلى ستة عشر متراً.

وتنفرد الكنيسة بتصميمها الذي تم نقله إلى الكثير من الكنائس في العالم، حتى أصبح نظام التقبب هو النظام المتبع والشائع في أغلب كنائس "أوروبا"، حيث تقوم الكنيسة على مبدأ الجناح الوحيد المحاط برواق أو وفق مخطط مركزي دائري أو مضلع».

وعن نظامها الإنشائي ومواد البناء المستخدمة فيها ذكر "نصر الله": «بنيت الكنيسة بكاملها من حجر البازلت الحوراني المنحوت بدقة متناهية، والذي يعتبر العنصر الأساسي للأسقف في الكنيسة خلافاً للأسقف الخشبية في المناطق الأخرى، ولا سيما أن منطقة "حوران" تتميز بكثرة الحجر البازلتي فيها، واستخدامه أساساً لكل الأبنية مهما اختلفت وظائفها، شكلها الخارجي مربع، ويبرز في ضلعها الشرقي شبه منحرف، يتضمن حنية الهيكل.

وشكلها الداخلي مثمن ويتوزع أمام كل ضلع من أضلاعها، عضادة ضخمة ذات شكل فريد، تتألف الواحدة منها من عدة أضلاع متداخلة ومنكسرة ومنحنية، تحمل هذه العضادات فوقها كتلتي القناطروالسقف وكتلة القبة».

وتابع "نصر الله" حديثه بالقول: «يوجد في كل زاوية من زواياها الرئيسية من الداخل، حنية على شكل غرفة نصف دائرية، يحد كلاً منها وفوق قطرها المنفتح على جسم البناء الداخلي قنطرة جميلة تعلوها نافذة مقوسة، أما جدرانها فهي من الحجر البازلتي المنحوت، ويتشكل من "مدماكين" من الحجر بعرض متر واحد تقريباً، فيما يتشكل سقف الرواق من ربدان حجرية قديمة، كما تحتوي على ثمانية أقواس نصف دائرية داخل بهو الكنيسة يعلوها جدار يحمل القبة، فيما تتشكل أرضيتها من الحجر البازلتي على كامل مساحة الكنيسة.

أما قبتها فهي بيضوية مصنوعة من الخشب ومغطاة بالمعدن، وفي داخلها درج خشبي، وللكنيسة ثلاثة مداخل في واجهتها الرئيسية الغربية، تم إغلاق مدخلين منها وبقي المدخل الرئيسي، كما يوجد مدخل آخر في الجهة الجنوبية للكنيسة».

ختاماً يقول السيد "تيسير خلف" باحث في تاريخ المنطقة الجنوبية: «لا تزال الكنيسة حتى اليوم وثيقة تاريخية شاهدة على النمط المعماري الكنسي الذي اشتهرت به المنطقة في أوائل القرن السادس الميلادي، وقد كان لأساقفتها دور مهم في انتشار المسيحية، ومن أبرزهم "نونوس" الذي شارك في مجمع خلقيدونية في العام /451/م، برفقة أساقفة "بصرى" وستة عشر أسقفاً من البلاد العربية».