على الرغم من مضي نحو قرن ونصف على إنشائها، مازالت معالم بيوت "نوى" القديمة واضحة، فيما يقف بعضها شامخاً يروي للأبناء قصص الأجداد وعراقة الماضي، وذلك لمتانة بنيانها وهندستها الرائعة.

موقع "eDaraa" زار بتاريخ 20/1/2011 بيوت "نوى" القديمة، والتقى أهلها الذين تحدثوا حول صفاتها وميزاتها وذكرياتها.

بشكل عام تعتبر بيوت "نوى" القديمة والأثرية، مجمعا سكانيا ريفيا، مبني من الحجر البازلتي الرائع الجمال والصنعة، ويتصف كل بيت فيها كما هو في بيت "مسلم" القديم، بأنه مؤلف من طابقين، الأول يضم مخزناً للحبوب، وحضيرة للحيوانات الأليفة، وقسم للمواد الغذائية والمؤونة، والطابق الثاني الذي يتم الصعود إليه عبر درج من الحجارة البازلتية معد للسكن، ويتميز بنوافذ ومداخل، ووجود "رواق" تحمله الحجارة المبرومة "أعمدة"، وهو مخصص للسهرات الصيفية

يقول السيد "يوسف مسلم" من سكان مدينة "نوى": «بشكل عام تعتبر بيوت "نوى" القديمة والأثرية، مجمعا سكانيا ريفيا، مبني من الحجر البازلتي الرائع الجمال والصنعة، ويتصف كل بيت فيها كما هو في بيت "مسلم" القديم، بأنه مؤلف من طابقين، الأول يضم مخزناً للحبوب، وحضيرة للحيوانات الأليفة، وقسم للمواد الغذائية والمؤونة، والطابق الثاني الذي يتم الصعود إليه عبر درج من الحجارة البازلتية معد للسكن، ويتميز بنوافذ ومداخل، ووجود "رواق" تحمله الحجارة المبرومة "أعمدة"، وهو مخصص للسهرات الصيفية».

وذكر السيد "أحمد الزوكاني" بنّاء حجر بازلتي (معمرجي): «تتميز البيوت القديمة في مدينة "نوى"، بجمالية الشكل، والمهاره في رصف الحجر، والدقة في تقسيمه من خلال أدوات خاصة يدوية، ويتصف نظام بنائه القديم بالمتانه والقوة والهندسة الرائعة، ودليل ذلك وجود تلك المباني حتى الآن، فما زال قسم منها بحالة جيدة منذ أكثر من /1300/ عام، وخاصة أنه استخدم في إنشائها "حوامل القنطره"، التي تأتي على شكل مربع قوي متين، تُصف فوقه حجارة القناطر، وكلما أتسعت القنطرة ازداد حجم البناء، إضافة لنظام "الربيد" المستخدم في السقف، وهو فن "حوراني" أصيل يدخل ضمن النظام الهندسي لبيوت "نوى" الأثرية».

وحول أهميتها وأشكالها ومحتوياتها، تحدث السيد "نضال شرف" الباحث في قضايا التراث والتاريخ لموقع "eDaraa" قائلاً: «تعد هذه البيوت الآن ثروة وطنية وسياحية هامة، وتزيد فائدتها عند استثمارها، لقد أخذت هذه البيوت الأثرية، والتي يبلغ عددها نحو/300/ بيت، أشكالاً عمرانية مختلفة.

كما نلاحظ فيها الطابع اليوناني والنبطي والروماني متداخلاً بعضه مع بعض، ما أعطى لهذه البيوت نماذج متعددة ورائعة، تزينها الأعمدة والتيجان بأنواعها المختلفة "كالدوري، والكورنثي"، لتغدو مشابهة تماماً لنظام القصورالريفية في الجنوب السوري، حيث توجد ساحة كبيرة وسط كل دار، تحتوي على بئر ماء، وطوابق للسكن، الأول للخيول ومركز مؤنه وغرفة للطبخ وأخرى فرن للخبز، إضافة لغرفة للحراسة عند مدخل الدار، فيما تخصص الطوابق العلوية للسكن، بعيداً عن غبار البيادر وهبوب الخريف.

ويشرف كل بيت على جهة من الأرض الخارجية للمدينة، والزائر لتلك البيوت يجد في مدخل الساحة نقوشا أثرية، منها الزخارف النباتية وعناقيد العنب التي تعود إلى القرن الثالث الميلادي، كما في بيوت "الطوالبة، الريباي، المذيب"، ولهذه البيوت أيضاً نظام الأسوار، حيث توجد فتحات للنبال وأبراج لمراقبة الأخطار المحدقة، فيما يوجد في وسط بعضها أنفاق تؤدي إلى خارج المدينة، تسمى "طرق نجاة"».

وعن الخبرات المتوارثة في عملية بناء البيوت القديمة، ذكر "شرف": «استخدم في بناء هذه البيوت الخفان الأحمر "تيفوس" المطحون، بعد خلطه بالماء لصنع عجينة حمراء لسد فراغات البناء الداخلية للمنازل، والصخرالأبيض الكلسي المطحون الذي كان يؤتى به من وادي "اليرموك" القريب، كعجينة في الجدار الداخلي للمنزل، وقد ثبت أن هذا الكلس يقوم بامتصاص غاز الكربون المنبعث من الدخان، كما تم استخدام "الحزرية" بعد طحنها مع الصخور الحوارية، لتكون مادة أسمنتية تسمى "الألبستر"، تدهن بها البيوت في المناسبات باللون الأبيض الكلسي».

وفيما يخص الجانب الاجتماعي للبيوت القديمة يقول السيد "محمد سعيد الأيوب"، من أهالي مدينة "نوى": «كان المجتمع الريفي بين سكان تلك البيوت الأثرية، متماسكاً جداً ومتيناً، كالجسد الواحد يشارك بعضهم بعضاً بالسراء والضراء، ويتقاسمون الماء ورغيف الخبز.

وكان يجمعهم حبهم للسهرعلى ضوء السراج الذي كان يعمل على زيت الزيتون، ليضيء ما حوله، وأنغام الربابة التي كانت تطرب الحضور وتشجعهم على الغناء الجماعي، لتتحول سهراتهم إلى لوحات فنية رائعة، ومكاناً لمناقشة كل ما يهم أبناء القرية من أمور الزراعة والحصاد والخطبة والزواج، ولفض الخلافات والنزاعات بين المتخاصمين.

في الوقت الذي كانت فيه النسوة يجتمعن بساحات الدور في نهاية فصل الخريف لتجديد طينة البيوت، وفي نهاية فصل الصيف لسلق القمح ونشره على أسطح البيوت وطحنه فيما بعد لصناعة البرغل، وما زالت هذه السهرات حتى الآن حديث الكثيرين من أبناء المدينة، الذين توارثوا حكاياتها كما توارثوا منازلها».