من أهم الآثار التي تشتهر بها محافظة "درعا"، لوحات الفسيفساء المكتشفة في المحافظة، والتي تتعدى 25 لوحة يحافظ قسم كبير منها على كيانه، ويعود معظمها للعصر البيزنطي.

وتعد لوحات الفسيفساء المكتشفة من أهم اللوحات المكتشفة في درعا. والتي تشكل عنصراً مهماً يعين ويساعد الباحثين والمهتمين بدراسة الحضارات التي مرت على منطقة "حوران"، لتشكل أهم ملامح التطورات التي طرأت عل المنطقة، وملامح نهضتها بجميع المجالات الثقافية والفكرية والاقتصادية، حيث لا يزال الباب مشرعاً أمام بعثات التنقيب المحلية والأجنبية للعثور على المزيد من هذه اللوحات.

تدل اللوحات المكتشفة بالمحافظة بمكانها ووضع ونوع البناء الذي يحتضنها والألوان المستخدمة فيها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي لإنسان ذلك العصر، وتشكل مواضيعها وحجم الحجارة المكتشفة أيضاً شاهداً حياً عليه وعلى أحواله الاقتصادية والثقافية والاجتماعية

للتعرف على أهمية لوحات الفسيفساء المكتشفة وأهميتها في محافظة "درعا" التقى موقع eDaraa في "5/1/2011" الآثاري "ياسر أبو نقطة" أحد الباحثين الآثاريين بمحافظة درعا، والذي تحدث بالقول: «تتنوع مواضيع اللوحات المكتشفة في المواقع الأثرية المتنوعة في المحافظة بين الحيوانية والنباتية والهندسية، نقل مبدعيها ومتقنيها البيئة المحيطة بهم بما تحتويه إلى لوحة فنية فسيفسائية موجزة تعطي فكرة شاملة عن موجودات وطبيعة الحياة التي يعشيونها، لكن بعض اللوحات المكتشفة غلب عليها العنصر البشري كما في اللوحة المكتشفة في منطقة "حيط".

الاثاري ياسر ابو نقطة

وهناك بعض اللوحات حملت كتابات توثيقية تدل على تاريخ تأسيس البناء، ويعود معظم هذه اللوحات للقرنين الخامس والسادس الميلاديين، وقد اكتشفت في مناطق مختلفة من "درعا" مثل مدينة "نوى" و"بصرى" و"دير العدس" و"حي البلد" في المدينة ووادي "الزيدي" ووادي "اليرموك"».

نباتات وحيوانات وطيور عديدة صورها صناع ومعدي اللوحات المكتشفة وبهذا المجال يقول: «الذئب والغزال والحصان وطيور البط والأوز والديك أهم الحيوانات والطيور التي صورها صناع الفسيفساء في المحافظة، بالإضافة لنباتات العنب والغار والزهور بالنسبة لأغلب النباتات، بالإضافة لتراث "حوران" وبعض ملامح من الفن المحلي ولاسيما طبق القش الحوراني المصنوع من القش الملون، ومن هذه الملامح والأطباق موجودة في متحف "درعا" تدل على نموذج هام لهذه الفنون القديمة، وأغلب اللوحات التي تم اكتشافها وجدت كجداريات أو أرضيات في الحمامات أو في القصور والكنائس».

لوحة مكتشفة في موقع حيط

تشكل اللوحات المكتشفة شاهداً على أحواله الثقافية والاجتماعية وهنا يقول: «تدل اللوحات المكتشفة بالمحافظة بمكانها ووضع ونوع البناء الذي يحتضنها والألوان المستخدمة فيها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي لإنسان ذلك العصر، وتشكل مواضيعها وحجم الحجارة المكتشفة أيضاً شاهداً حياً عليه وعلى أحواله الاقتصادية والثقافية والاجتماعية».

الدكتور "محمد نصر الله" رئيس دائرة آثار "درعا" قال لنا أيضاً عن الفترات التي تعود إليها اللوحات المكتشفة: «تعكس اللوحات المكتشفة في المحافظة من خلال العديد من المواقع المكتشفة، ملخصاً عاماً للحياة السائدة في ذلك العصر بجوانبها المختلفة، كما تدل على الذائقة الجمالية التي تمتع بها صانعوها. وهناك احتمالات كبيرة للعثور على لوحات أخرى قد تعود للعصرين الروماني أو الإسلامي في المراحل والمكتشفات القادمة، وأهم وأكبر لوحة فسيفساء اكتشفت في المحافظة هي لوحة "البعلة" في مدينة "نوى"، ويبلغ طولها 12.5مترا وعرضها 3 أمتار».

الدكتور محمد نصر الله رئيس دائرة آثار درعا

وعن المدلولات التي تشير إليها لوحات الفسيفساء يقول مدير الآثار: «الوضع الاقتصادي يدل عليه حجم أحجار اللوحات المكتشفة ولمقتنيها، فدلت مرحلة الانحدار الاقتصادي في العصر البيزنطي وتراجع الذائقة الجمالية للمجتمع. خلال اللوحات التي كلما كبر حجم الأحجار فيها فبذلك تنخفض تكلفتها المادية والزمنية فتصبح أقل متانة، وانخفضت مهارة الصانع ما يعني الانحدار الاقتصادي، وصغر الأحجار في اللوحات يشير على الحالة المادية الجيدة لصاحب اللوحة، حيث تتطلب اللوحة زمناً لإنجازها بدقة وذوق رفيع ومتانة ما يعني ارتفاع التكاليف وها يشير بالطبع على الحالة المادية الجيدة، وتؤكد العديد من الأبحاث المتعلقة بلوحات الفسفساء، بأنها تتشابه في العديد من مواضيعها مع مدارس فنية أخرى أهمها مدرسة "مادبا" الأردنية، وبان لا توجد مستلزمات أو مواد مستوردة من خارج القطر لصنع لوحات الفسيفساء في المحافظة».