تعتبر المساجد العمرية المنتشرة في محافظة "درعا" محطات تؤرخ لمراحل تاريخية عرفتها أرض المنطقة فاقترنت الأهمية الدينية والاجتماعية والحضارية بحضورها واستمرار الحفاظ عليها في إشارة واضحة الدلالة لتعايش مختلف فئات المجتمع على هذه الأرض، إذ اقترن مشهد حضور هذه المساجد بقربها من الكنائس سواء في مدينة "بصرى الشام" أو "ازرع" وصولاً إلى "درعا".

eDaraa التقى بعض الباحثين الآثاريين لتسليط الضوء على هذه المساجد بتاريخ 22/1/2010.

تشتهر محافظة "درعا" بالمساجد "العمرية" والتي يعود تاريخها إلى عهد "عمر بن الخطاب"، وهذه المساجد ما زالت تحافظ على شكلها وبنيتها الخارجية والداخلية مع بعض الترميمات التي لا تؤثر على بنيتها

"حسين مشهداوي" رئيس دائرة آثار "درعا" بدأ بالحديث عن واقع المساجد العمرية المتواجدة في "درعا" فقال: «تشتهر محافظة "درعا" بالمساجد "العمرية" والتي يعود تاريخها إلى عهد "عمر بن الخطاب"، وهذه المساجد ما زالت تحافظ على شكلها وبنيتها الخارجية والداخلية مع بعض الترميمات التي لا تؤثر على بنيتها».

من أروقة السجد العمري بـ"درعا"

ويتابع "مشهداوي" حديثه عن أهم ما يميز المساجد "العمرية" فيقول: «بناؤها المتقن وزخارفها الإسلامية الخلابة هي أهم ميزاتها، إضافة إلى حجارتها السوداء التي ترسم تاريخا عريقا، ولا ننسى المآذن المتميزة التي تبرز مدى إتقان الصانع والحرفي آذاك لمهنته، ارتفاعها الشاهق وعظمة بنائها، إضافة إلى الأروقة وصحن المسجد».

ويتحدث عن المسجد العمري في مدينة "ازرع" فيقول: «مسجد "ازرع" يعد واحداً من أربعة مساجد "عمرية" موجودة في "بصرى" و"درعا البلد" و"صلخد" و"ازرع"، جميعها تأخذ نفس الاسم وقد تتشابه في بعض مكوناتها وتختلف في بعضها الآخر لكن ثمة ملامح تشابه تؤكدها الدراسات التاريخية والأثرية، يقع المسجد "العمري" بمدينة "ازرع" في منطقة أثرية يتوسط المسافة بين كنيستي "مار إلياس" و"مار جرجس" في مكان يعتقد بأنه "دير بيزنطي" وربما "معبد وثني" من الفترات الميلادية الأولى نظرا لوجود العناصر المعمارية المنتشرة في أغلب أجزائه والتي تعود لمختلف عصور التاريخ، إذ يمكن مشاهدة تيجان وأجسام وقواعد الأعمدة و"السواكف" الضخمة و"الميازين والربدان" المتقنة النحت وهو بذلك يتطابق مع غيره من الأبنية الدينية في "حوران"».

"مشهداوي"

ويتابع "مشهداوي" حديثه عن مسجد "ازرع العمري" فيقول: «ورد في مجموعة من المصادر والمراجع البحثية، حيث وصفه المهندس الألماني "ميخائيل ماينكه" بعد دراسته لكافة المساجد المنتشرة في المنطقة الجنوبية، بأنه مثالاً على المدرسة المحلية في هندسة عمارة المساجد والجامع المذكور أكثر اتساعا من جامع "بصرى"، وهو أصغر من جامع "درعا" ولا يظهر في هذا الجامع تأثراً بأسلوب العمارة "الدمشقية"، ما يثير الاستغراب أن الجامع دشن وفق ما نستخلصه من الكتابة فيه عام ستمئة وواحد وخمسين هجرية، أي نفس تاريخ تشييد جامع "درعا" ومن قبل نفس الأمير "الناصر يوسف"».

ويصف المسجد من وجهة هندسية فيقول "مشهداوي": «كان المصلى، يتألف في البداية من ستة أجنحة بأعماق متفاوتة، ولم يبق منها قائماً إلا الجناحان الجنوبيان وتشير النسب بشكلٍ واضح إلى أن البناء بأكمله كان مصمماً لتكون سقوفه مستوية من ألواح الحجر البازلتي المتوافر بسهولة ومن الملامح العمرانية الزخارف في المحراب المبنية بالحجر الأسود والأبيض بالتناوب وهذه النماذج الزخرفية اكتمل تطورها في "دمشق" في العصر "الأيوبي" أما تاريخ البناء فيعتقد أنه يعود للعصور الوسطى وعلى النقيض من جامعي "بصرى" و"درعا" فإن زخارف جامع "ازرع" الثانوية تعكس تيار التطور الرئيس لعمارة سورية في القرون الوسطى بينما التصميم العام يتبع النماذج التقليدية في "حوران"، من خلال عمليات التنقيب لدائرة الآثار تبين أن الجامع تعرض خلال السنوات السابقة الى حالة إخلاء منذ ما يزيد على مئتي سنة وتم نقل وسرقة معظم حجارته وعناصره المعمارية كذلك مرور شارع وسطه من الغرب للشرق وتدمير وهدم مئذنته في ثلاثينيات القرن الماضي في فترة الاحتلال "الفرنسي"».

لوحة على أحد جدران المسجد العمري "بدرعا"

وبالانتقال إلى ثاني المساجد العمرية بـ"درعا" يقول الباحث الدكتور "خليل المقداد": «شهد المسجد مراحل معمارية متعددة، وتعود بداياته إلى العصر الإسلامي، ليشهد المسجد المرحلة الثانية من التوسعة في العهد الأموي أما المرحلة الثالثة والأخيرة فكانت عام ستمئة وواحد وخمسين هجرية في العهد الأيوبي، وهناك نص مكتوب على حجر بازلتي وضع في الرواق الشرقي وما زال في موقعه عند المدخل الشرقي للمسجد والمشرف على الساحة الداخلية».

ويشير "المقداد" إلى وجود تشابه بين المساجد "العمرية" في "المحافظة" فيقول: «هناك تشابه كبير في بناء المساجد العمرية في المحافظة، إلا أن هناك تبايناً في المقاييس إذ يظهر مخطط المسجد العمري بدرعا أربعة أروقة تحيط بصحن كبير والرواق الجنوبي هو الأكبر حيث يعتبر إيوان الصلاة والحرم والمحراب وامتداده شرق غرب، أما سقف المسجد فيشبه جميع الأبنية في "حوران" إذ ترتكز على "القناطر" بشكل معاكس حوامل بارزة من كل جهة يليها "عوارض" أكثر بروزاً للربط بين الحوامل وتغطية الفراغات يعلو العوارض طبقة ممزوجة من الكسر الحجرية الصغيرة الناتجة عن "التقصيب" و"النحت" والمخلوطة بالكلس ثم طبقة سميكة من التراب، المسجد يمتلك ثلاثة أبواب رئيسية أكبرها الشمالي وتفتح الأبواب على الأروقة الثلاثة الشرقي والغربي والشمالي وطرازها يشبه مسجد "بصرى" العمري مع الاختلاف في ربطها من الداخل حيث نجد في "درعا" أن المدخل الشمالي يعلوه قوس ألغي مؤخرا وبني في موقعه مكان الوضوء أما الأبواب الغربية والشرقية فتفتح على فضاءات خارجية».

"وفاء العودة" رئيسة دائرة آثار "بصرى" تحدثت عن المسجد "العمري" في "بصرى" ثالث المساجد "العمرية" في المحافظة فقالت: «الجامع العمري في مدينة "بصرى" يعتبر من أقدم المساجد في سورية حيث بني أيام الخليفة "عمر بن الخطاب" ويعرف بالجامع العمري نسبة إليه وهو الجامع الوحيد الذي بني في عهد الإسلام الأول وحافظ على واجهته القديمة حتى الآن ولا يزال يحتفظ بتفاصيله المعمارية وأعمدته التي بقيت في مكانها».

وبالحديث عن أعمال الترميم التي شهدها المسجد تقول: «قام المهندس الفرنسي "إيكوشار" عام ألف وتسعمئة وستة وثلاثين بأعمال ترميم للمسجد، كشفت عن كتابة "أموية كوفية" مؤرخة عام مئة واثنين هجرية، كما وجدت كتابات "أموية" أخرى في إحدى الدعامات في الرواق الشرقي من عام مئة وثمان وعشرين هجرية، وجدد أحد أقسام السقف عام أربعمئة وستين هجرية، كما تشير إلى ذلك كتابة كوفية على أحد مسطحات السقف.

وتصف مسجد "بصرى" بالقول: «يتألف المسجد من صحن مكشوف تتوسطه "ميضأة" مربعة، داخلها نافورة ماء ويحيط بها عمود رخامي وتاج دوري ارتفاعه متران، رصفت أرضية الصحن بالحجر الكلسي الأبيض والبازلتي الأسود على شكل متداخلات مع "تزيينات" وأشكال هندسية مختلفة الألوان تلتف حول الصحن أربعة أروقة ويشكل الرواق الجنوبي حرم الصلاة ويبلغ عرضه اثنا عشر متراً، وقد غطيت واجهة هذا الرواق بكلسة تمتد عليها ثلاثة أشرطة من الزخارف النباتية المحفورة في "الجص" تحصر بينها حقلين مملوءين بالكتابات الكوفية المزهرة والمحفورة على "الجص" أيضاً، المسجد من الداخل على شكل معرض للأعمدة والتيجان من مختلف الطرز حيث يبلغ عددها أربعة وأربعين عموداً بكافة عناصره المؤلفة من "ركيزة" و"وسادة" و"طبلة" و"تاج" منها أعمدة من الرخام الأبيض والحجر الكلسي أما التيجان فمنها ما هو على الطراز "الكورنثي" ومنها على النمط "الأيوني" والباقي من الطرز "الدورية" و"البسيطة" وجاء توزيع الأقواس بطريقة متصالبة بحيث يبلغ عددها سبعة أقواس شرق غرب أكبرها في الوسط وستة أقواس متساوية البعد من الحجر البازلتي، يتوسط جدار "القبلة" محراب الجامع وهو بسيط على شكل صندوق مفتوح ينتهي بنصف "قبة"، ويتقدم المسجد من الشرق "رواق" مقنطر منخفض يشرف على الشارع بتسع أقواس مختلفة الارتفاع واستعملت بعض أقسامه للوضوء ويتخلله أبواب تؤدي إلى المسجد وتبين الواجهة الشمالية الاختلافات والتحولات والإصلاحات التي شهدها البناء حيث نلاحظ أن الجدار يملك انسجاما موحدا في البناء تتخلله ثلاثة أبواب وبعد بناء الأبواب نجد أن الجدار بني "بمدماك" من أجزاء مختلفة الأقطار صفت بشكل عرضاني أما الواجهة الجنوبية فهي الوحيدة المنتظمة وتحتوي على خمس نوافذ مقوسة، ويصل ارتفاع المئذنة التي تقع في الزاوية الشمالية الشرقية من المسجد إلى ستة أمتار، وجاء قسمها السفلي مربع الشكل نفذ فيها مدخلان أحدهما للمسجد والآخر يفتح إلى خارج المسجد، وزودت بفتحات تهوية وإضاءة غير منتظمة على مستوى ارتفاعها».