لا يزال "فرن الطابون" يتجدد في ذاكرة أبناء "حوران"، حيث تجده في كل بيت ريفي لكونه معلماً من المعالم الأثرية الهامة بتصميمه الدائري وغطائه المصنوع من قاع برميل، ومقحاره المتآكلة أطرافه من كثرة صراعه من سحب الرماد.

السيد تيسير الفقيه" الباحث في التراث يتحدث بتاريخ 29/1/2012 لموقع eDaraa عن صفات "فرن الطابون" ومكانته في الموروث القديم حيث يقول: «"فرن الطابون" هو قالب ترابي مفتوح السقف يستخدم لصناعة الخبز بالدرجة الأولى، وهو عبارة عن بناء من طين خليط تراب وحوار وقش وتبن، يُعرض لأشعة الشمس حتى يجف، ويصنعه الأهالي على شكل قريب من شكل القدر القديم ولكن بشكل أكبر، و"فرن الطابون" له باب من طين، وله فتحة تهويه من الأعلى، وكان الناس يزجون فيه الفحم و"الجلة" أي مخلفات الأبقار لشدة تجمرها واحتفاظها بالحرارة، وكانت الأمهات والجدات يضعن طبقه أعلى الجلة والفحم والحجارة تكون من حجارة السيل، وحالياً لا يوجد مقارنة بين أفران الطابون السابقة والمخابز الحالية التي حلت مكانها، حيث إنها تفتقد إلى الأجواء التراثية السابقة سواء فيما يتعلق بالمواد المستخدمة لإيقاد النار أو طريقة تحضير العجين، إلى جانب استخدام مخلفات عصر الزيتون "الجفت" في لقم النيران والطين في صناعته».

يعتبر "الطابون" من المظاهر التراثية التي ما زال العديد من أهالي القرى والريف يحافظ عليها، خاصة من الجيل القديم، حيث طعم الخبز الشهي يكون بمذاق مختلف، والمشهد الدافئ عندما كان يجتمع أهالي البلدة ليتبادلوا الحكايات، ويتذوقوا بواسطته المأكولات العربية لتنفتح شهيتهم بينما أبخرة الماضي التليد تتصاعد وتخترق المعدة. وليست فقط النساء من كن يجتمعن في الطوابين، بل الرجال أيضاً ينتظرون الخبز المحمر لأكله مع زيت الزيتون، فهو ليس مكاناً للأكل فحسب، بل هو ملتقى لكل أهالي البلدة كما ذكرت

الحاجة "فهيدة الركاد" إحدى السيدات اللاتي عاصرن صناعة "فرن الطابون" تحدثت عن خطوات صناعته بالقول: «نقوم أولاً بعملِ غرفة صغيرة نبنيها من الحجارة أو الطوب، داخل هذه الغرفة نقوم بحفر دائرة متوسطة الحجم، من ثم نقوم بجمع التراب الأبيض وخلطه بالماء، ونقوم بعدها بجبله وفرده على الأرض، من ثم نقوم بوضع التراب على زيق الطابون، حيث يتم رفعه بمقدار متر ونصف المتر على جوانب الضريح، ويوضع داخله حجارة مكورة ملساء يطلق عليها اسم الرضف، وبعدها نقوم برش الملح ووضع "الزبل البلدي"، على الحفرة الخاصة التي يتم وضع الخبز والطعام بها، والتي تتوسط الطابون البلدي من ثم نضع الجمر مدة ثلاثة أيام بلياليها كي تزيد درجة حرارة الطابون، وبعدها نقوم بوضع الغطاء الخاص بفتحة الطابون ويتم فرش الغطاء "بالزبل البلدي"، والجمر مدة ثلاثة أيام أيضاً، مع العلم أن الغطاء الخاص بالفتحة مصنوع من الحديد، وينبغي المحافظة على درجة الحراة هذه باستمرار من خلال إضافة "الزبل" يومياً على الطابون».

الباحث تيسير الفقيه

يحتاج الحديث عن آليات استخدام "فرن الطابون" إلى سيدة ممن عاصرن وجود هذا النوع من الأفران في باحة المنزل حيث تقول السيدة "نصرة المحمود" عن مراحل إعداد الخبز في "فرن الطابون": «في البداية تقوم المرأة بإعداد العجين من الطحين المصنوع من القمح، بعد طحنه وتخميره ليلاً لتخبزه خلال فترة الصباح الباكر بعدما تقوم بحلب الأبقار، حيث يحمل العجين الخامر من المرأة إلى "الطابون"، ثم تقطعه وترقه، وترش الرماد عن باب الطابون بالمقحار، "وهو العصا التي تبعد الجمر عن باب الطابون"، ثم تفتحه وتضع الرغيف المرقوق على الجانب الساخن داخل الطابون الذي يتسع عادة إلى رغيفين أو أكثر حسب حجم الرغيف، ثم تغلق الباب وتنتظر قليلا من الوقت حتى تشم رائحة الخبز الخارجة من الطابون، وتفتح الباب ثانية وتنتظر فإذا احمر وجه الخبز تنزع الأرغفة وتضع غيرها، وعند انتهاء عملية الخبز تعيد "الرضف" إلى داخل الطابون وتدمل عليه بعد تغطية بابه، ثم تأتي إحدى الجارات وتشعله ثانية لتخبز مساء ويوضع داخله حجارة مكورة ملساء يطلق عليها اسم الرضف».

وإلى قرية "نافعة" توجهنا إلى عجائز تحدثن عن الطابون بكل ما لديهن من فخر بمحافظتهن على هذا "التذكار" فقالت لنا الحاجة "فاطمة الذياب" عن استعمالات الفرن الأخرى التي كانت تستعملها النساء: «كانت تتم على "فرن الطابون" أكثر أمور الطهو طوال اليوم، وعند المساء تقوم الأم بوضع أو فرد طبقة من الرماد أو السكن على وجه الجمر ليحتفظ بحرارة جمرته إلى الصباح، وكان يستعمل في أيام الأعياد والفرح بكل أرجاء القرية لتحضير الحاجيات الخاصة لهذه المناسبة، عدا شواء اللحم، وإتمام الولائم داخله، ما يجعل حكاية هذه الوجبات حديث الأهالي أسابيع طويلة، نظراً للنكهة الطيبة التي تخرج عن الفرن، ويمكن أن يستخدم "الطابون" في غير عملية الخبز بأن تحمر فيه الخضراوات وصنع الكعك البلدي، وأشهر ما يستخدم بعد الخبز، "المسخن" أي الدجاج المشوي بالزيت البلدي "زيت الزيتون" مع البصل، كما يستخدم "الطابون" لخبز "الفطائر" و"المطبق" وفي الحقيقة لا نستلذ أكلة المسخن إلا منه، وذلك لأنه يضفي نكهة خاصة على الطعام"».

تجهيز العجين للخبز في الفرن

ويقول السيد "حسين العقلة الشمري" أحد أبناء قرية "نافعة": «يعتبر "الطابون" من المظاهر التراثية التي ما زال العديد من أهالي القرى والريف يحافظ عليها، خاصة من الجيل القديم، حيث طعم الخبز الشهي يكون بمذاق مختلف، والمشهد الدافئ عندما كان يجتمع أهالي البلدة ليتبادلوا الحكايات، ويتذوقوا بواسطته المأكولات العربية لتنفتح شهيتهم بينما أبخرة الماضي التليد تتصاعد وتخترق المعدة. وليست فقط النساء من كن يجتمعن في الطوابين، بل الرجال أيضاً ينتظرون الخبز المحمر لأكله مع زيت الزيتون، فهو ليس مكاناً للأكل فحسب، بل هو ملتقى لكل أهالي البلدة كما ذكرت».

السيد حسين العقلة