تحظى صناعة القش منذ القدم في قرى "حوران" بموقع هام لدى النساء ممن امتهن هذه الحرفة، واللواتي رسمن بالقش الملون حكايات متواصلة عبر السنين على هذه الأطباق، فأصبحت مع تطور الحياة شكلاً من الفلكلور الفلاحي الحوراني.

الباحث في التراث "تيسير الفقيه" تحدث لموقع eDaraa بتاريخ 8/1/2012 عن هذه الحرفة بالقول: «تفرد الريف عن المدينة في بساطة الحياة في قرى حوران، وأعطيت حرفة وصناعة القش أهمية مضاعفة، لكونها تعتمد على المواد الأولية التي تؤمنها البيئة المحلية، وأهمها القش المنتشر بشكل كبير في جميع المناطق، فأصبحت مع تطور الحياة شكلاً من الفلكلور الفلاحي الحوراني، والتراث الشعبي لمعظم مناطق المحافظة، ومن متطلبات هذه الحرفة التحلي بالصبر والبراعة والمكوث في المنزل لفترات طويلة، تستخدم سيقان القمح بعدما يتم بلها بالماء وتلون بألوان مختلفة أهمها الأخضر والأحمر، وقديماً كانت تصنع الأدوات الأساسية للفلاح من القش مثل الطبق الذي يستخدم للطعام، والمنسفة التي تستعمل للخبز، والقبعة والمفعمات وهي لنقل الحبوب، كما تستخدم أدوات صغيرة لجمع البيض، ويتم استخدام الأطباق المزخزفة ووضعها في صدر المنزل لتعكس الواقع والبيئة الحورانية».

كنا نقوم في فصل الشتاء، وبجانب مدافئ الحطب بصناعة أطباق القش، بعدما نكون قد نقعنا سنابل القمح التي نجمعها من الحقل بالماء لعدة أيام حتى تصبح طرية ومرنة، ثم نبدأ العمل من خلال جمع حزمة ومجموعة صغيرة من عيدان القش تصل ما بين 10 إلى 15 قطعة، ووضعها بشكل متساوٍ، نبدأ بعدها عمليات لف عيدان أخرى حولها، بحيث يلف العود الأخير مجموعة الأعواد الباقية، ونقوم بحياكتها بإبرة كبيرة تسمى المسلة بطريقة العقد ونلفها عدة دورات حتى تكتمل وبعدة أحجام، وإذا أردنا أن نلونها نقوم بإضافة صبغة معينة للطبق الذي نريد تلوينه وصبغه بالألوان المختلفة حسب الطلب والحاجة، وكنا نتعاون في ما بين نساء القرية لرسم بعض الأشكال والرسومات المميزة

كيفية صناعة أطباق القش حدثتنا عنها السيدة "فاطمة الصبيحي" "أم خالد" مستحضرة أياماً مضت فقالت لنا: «كنا نقوم في فصل الشتاء، وبجانب مدافئ الحطب بصناعة أطباق القش، بعدما نكون قد نقعنا سنابل القمح التي نجمعها من الحقل بالماء لعدة أيام حتى تصبح طرية ومرنة، ثم نبدأ العمل من خلال جمع حزمة ومجموعة صغيرة من عيدان القش تصل ما بين 10 إلى 15 قطعة، ووضعها بشكل متساوٍ، نبدأ بعدها عمليات لف عيدان أخرى حولها، بحيث يلف العود الأخير مجموعة الأعواد الباقية، ونقوم بحياكتها بإبرة كبيرة تسمى المسلة بطريقة العقد ونلفها عدة دورات حتى تكتمل وبعدة أحجام، وإذا أردنا أن نلونها نقوم بإضافة صبغة معينة للطبق الذي نريد تلوينه وصبغه بالألوان المختلفة حسب الطلب والحاجة، وكنا نتعاون في ما بين نساء القرية لرسم بعض الأشكال والرسومات المميزة».

السيدة فاطمة الصبيحي

الباحث في التراث "إبراهيم الشعابين" قال لنا عن هذه الحرفة: «انتشرت في الريف صناعة إطباق القش لأن أهالي هذه القرى البسيطة كانت تحتاج لأطباق وأوانٍ مختلفة الأشكال والأحجام، لنقل مستلزمات عملهم وطعامهم إلى الحقول، وأيضاً نقل إنتاجهم الزراعي بالعكس من الحقول إلى البيادر ومنها إلى المنازل. ومادة القمح كانت هي المادة الأساسية لصناعة الأطباق لتميزها بالمرونة، ولكونها متوافرة بكثرة حيث كانت نساء هذه المناطق تقوم بحصد سنابل القمح وتختار السنبلة الجيدة والطويلة، ثم يقمن بتخزينها على شكل مجموعات حتى أيام الشتاء لاستخدامها في صناعة الأطباق، وحالياً نظراً لتطور أنماط الحياة والمعيشة وعجز هذه الأوعية عن مواكبة متطلبات المعيشة، تم الاستعاضة عن أطباق القش بالأواني المعدنية وطاولات الخشب، رغم حنين البعض من كبار السن إليها وشرائها حتى اليوم لاستعمالها لأغراض الزينة والهدايا.

وكان هناك صناعة شبيهة بصناعة الأطباق وهي صناعة "الحلفة"، وهي نبات ينمو بكثرة على ضفاف المياه والمستنقعات والمناطق التي تتوافر فيها المياه بكثرة، ويصنع منها السلال والحصر وبعض الأطباق وأدوات العمل السلة المرجونة والقبعة وطبق الخبز».

أطباق القش

وقالت الحاجة "حمدة رجا": «مازلت أشم في هذه الأطباق رائحة خبز التنور وارسم في مخيلتي تلك الصورة التي كنا ننقل فيها الخبز والقمح والبيض والخضار إلى المنزل، وكان سابقاً أمر يجب أن يتوافر في الفتاة وضمن مزاياها وهو مدى قدرتها ومهارتها على صنع أطباق القش، وذوقها في هذه الصناعة بالإضافة لبض الأمور الأخرى، ويتم الحكم عليها بناء على ذلك. والطبق هو وعاء مسطح على شكل دائرة يصل قطره إلى متر، يستخدم بشكل دائم لوضع الطعام عليه أو لوضع الخبز عليه أو لتجفيف أنواع الخضار التي يتم جنيها من الحقول في أيام الصيف، وهناك نوع آخر مجوف من الدخل يستعمل لنقل القمح والشعير أو لنقل الخضار، وهناك "الكواير" المصنوعة من القش والتراب المقاومة لعوامل الطبيعة من حرارة وبرودة والتى كانت تستخدم كأوعية كبيرة لحفظ الحبوب».

الباحث في التراث تيسير الفقيه