عرف الحصاد المائي في محافظة "درعا" منذ القديم، ولا يزال يستعمل في بادية "درعا" التي اشتهرت في مواقع متعددة بالخزانات الأرضية المغطاة بالقناطر لمنع التبخر.

بعد أن حولت المياه إليها بواسطة أقنية حجرية تجمع من السفوح الجبلية المجاورة، كما هو الحال في مدينة "بصرى الشام"، أو جر المياه من مناطق تجمعها بواسطة أقنية حجرية إلى مناطق الاستعمال وسميت الأقنية الرومانية القديمة، وللتعرف على أهمية الحصاد المائي بالنسبة لأهالي البادية ومواشيهم بمحافظة "درعا" التقى موقع eDaraa المهندس "مفيد الفقيه" مدير فرع هيئة تنمية البادية في "درعا" بتاريخ 1/8/2011 الذي عرّف في البداية نظام الحصاد المائي بالقول:

انعكس تجميع الفياضات "المطخ" في مناطق حصر مياه الشتاء على شكل تجمعات مائية كبيرة، والاستفادة منها في أوقات الجفاف صيفاً، على تحسن الوضع المعيشي لأبناء البادية، من خلال استقرار أمور المواشي التي نملكها والعناية بها. عدا استقرار المربين بالمنطقة وعدم الرحيل لاماكن ومناطق رعوية جديدة

«اهتمام الإنسان بالحصاد المائي كان منذ قديم الأزمان نظراً لأهمية المياه في الحياة نتيجة قلة الهاطل المطري في البادية. ونظام الحصاد المائي المبسط عبارة عن عمليه جمع وتركيز مياه الجريان السطحي الناجمة عن الهطولات المطرية للاستخدامات المختلفة، بدلاً من أن تذهب هدراً في مسارات مختلفة، ووضعها في أماكن يمكن الاستفادة منها فيما بعد، في الجب أو المطخ أو البئر الروماني القديم. ومراحله هي المسقط المائي ومنطقة الجريان ومنطقة التخزين للاستعمال.‏

المطخ

لذلك اهتمت الهيئة العامة لإدارة وتنمية البادية بهذا الجانب، وأحدثت مشروع الحصاد المائي للتنمية المستدامة في مديرية قطاع الزراعة والري بالهيئة، وانبثقت عنه دوائر في كل فروع الهيئة بالمحافظات لما له من أهمية في استراتيجية الحفاظ على المياه وحصادها للاستفادة منها بالشكل الأمثل سواءً بإقامة الحفر التخزينية أم بإعادة تأهيل الآبار الرومانية القديمة، أم بترميم السدات والسدود وكذلك حصر الفيضات للاستفادة من مياهها في سقاية الحيوانات والنباتات الرعوية وإعادة الحياة البرية، وإيجاد التنوع الحيوي بالبادية من نباتات وحيوانات».

اشتهرت بادية "درعا" بالسدود السطحية التي يستفاد منها في الحصاد المائي وهنا يقول: «تميزت بادية "درعا" بالسدود السطحية كما هو في سد "السماقيات" وسدة "بلي" الشرقية، والآبار الرومانية الموزعة في البادية والسهول، وفي سفوح الجبال المحيطة بها، وسميت هذه الآبار باسم العشائر التي كانت تقطن مع أغنامها البادية، مثل "بئر نافعة- بئر الحمود- بئر الظواهرة- بئر الجسيم- بئر خربة بلي- بئر البصرة- جب عبيد- بئر الشواحنة"، ويستفاد منها في حصاد المياه هناك حيث يتم جمع مياه الأمطار شتاء والاستفادة منها في أوقات الجفاف صيفاً».

ابار رومانية

تقنيات قديمة استخدمت في الحصاد المائي تحدث عنها بالقول: «أهم التقنيات التي استخدمت في الحصاد، هي "السدات الحجرية" سدة "بلي" الشرقي، وهي نشر مياه الجريان السطحي بالحواف الحجرية المتعامدة على الميول المتوسطة، وحفر الآبار "الجب" في أسفل مناطق الميول، وقد يطوى بالحجارة إذا كان الكلس رخواً، أما إذا كان الكلس قوياً فيبقى الجب محفوراً فقط بالكلس».‏

وفيما يخص أهمية تضاريس البادية في الحصاد المائي يقول "الفقيه": «هناك العديد من الوديان والتلال التي ينتقل فيها الحصاد المائي منذ القديم، وهذه التلال المحيطة بالبادية ذات ميول متوسط وكبير وأغلب مناطقها عرضة للانجراف المائي، والزراعات فيها لا تحصل على احتياجها المائي بسبب ارتفاع قيمة معامل الانجراف السطحي، ناهيك عن تساقط الأمطار بشكل متقطع الأمر الذي يؤدي إلى نفاد المياه السطحية بشكل سريع.

المهندس مفيد الفقيه

ومن هذه الوديان والتلال "تل السخين- وادي تل السخين، وتلال الشقرانية- تلال أبو ملعقة- تلال بلي- تلال جب عبيد"، وهنا لا بد من إيجاد حلول مناسبة للحد من تدهور التربة الزراعية وإعادة تأهيل الأراضي الرعوية في مواقع متعددة من خلال حماية الأرض من الفلاحات لتشجيع البصيلات للنباتات الرعوية على النمو من جديد».

"المطخ" من الأساسيات التي تم الاستفادة منها بالحصاد المائي وعنه يقول: «تعتبر الفياضات "المطخ" مناطق حصر لمياه الشتاء على شكل تجمعات مائية كبيرة أوجدها الإنسان في البادية منذ القديم بعد أن استفاد من التضاريس الطبيعية، وجمع المياه في أربعة مواقع سواء "بالمطخ" أو بواسطة "سدات".

وقد حجزت المياه على مساحة تقدر بحوالي 5100 دونم في أربعة مواقع، هي مطخ "الطماسيات" ومساحته 1500 دونم، ومطخ "خيطين" قرب قرية "السويمرة" ومساحته 1000 دونم، ومطخ "بلي الغربي" مساحته 1100 دونم، وسدة "بلي الشرقية" ومساحتها 1500 دونم‏».

بادية "درعا" تشكل نسبة 1% من مساحة البادية بالقطر وبهذا المجال يتوسع بالقول: «بادية "درعا" تقع في الشمال الشرقي من المحافظة، ويحدها من الجنوب محافظة "السويداء"، ومن الشرق والشمال محافظة "ريف دمشق" ومن الغرب طريق أتوستراد "دمشق" "السويداء".

وتبلغ مساحتها حوالي 80 ألف دونم تشكل نسبة 2.1% من مساحة المحافظة، وتشكل نسبة 1% من إجمالي مساحة البادية بالقطر، وتقع على منطقتين عقاريتين "بلي- الشقرانية"، ومعدل الأمطار فيها وسطياً120-200 ملم وهي منطقة استقرار خامسة‏، وعلى الرغم من صغر مساحة البادية بـ"درعا" إلا أنها غنية بالتنوع الجغرافي "تضاريس ومناخ" والتنوع الحيوي أيضاً».

"حمدان قاسم الحمد" أحد مربي المواشي المستفيدين من الحصاد المائي حدثنا عن المشروع فقال: «ساهم تنفيذ الحصاد المائي من خلال تجميع المياه، بانتعاش تربية المواشي في فترات الجفاف، حيث نستفيد من تجميع المياه في تغذية الحيوانات واستقرار بعض المربين بالقرب من السدات والمطخ والآبار الرومانية القديمة.

ما يساهم في زيادة كميات الحليب وتوفير المياه في ذروة الجفاف، وهذا شكل حالة نفسية جيدة للمربين بوجود المياه التي تعتبر لنا كل شيء في البادية».

السيدة "خالدية السمارة" من سكان بادية "درعا" قالت لنا: «انعكس تجميع الفياضات "المطخ" في مناطق حصر مياه الشتاء على شكل تجمعات مائية كبيرة، والاستفادة منها في أوقات الجفاف صيفاً، على تحسن الوضع المعيشي لأبناء البادية، من خلال استقرار أمور المواشي التي نملكها والعناية بها. عدا استقرار المربين بالمنطقة وعدم الرحيل لاماكن ومناطق رعوية جديدة».