في زمن فقدت فيه الأرقام العالية ولاسيما في عالم المال هيبتها فلم تعد بالشيء المخيف والمذهل، وأصبح من الأمور العادية أن يتحدث فلان عن الملايين و المليارات، في هذا الزمن الذي فقدت فيه الليرة قدرتها على أن تكون قيمة شرائية لم تعد تذكر إلا مضافة لمختلف الأرقام، في هذا الزمن يطل علينا "أبو محمد" "سليمان عبد المجيد الناصير" والذي يعرفه الجميع بـ"أبو الليرة" ليدعم قدرة الليرة على الشراء،

فبرغم الغلاء الفاحش الذي صار سمة وعنوانا لحياتنا، ما تزال عربة "أبو محمد" أو "أبو الليرة" تحتوي على بضائع لا تتجاوز قيمة أثمنها العشرة ليرات، وكونه "أبو الليرة" فذلك يعني أن زبائنه في مجملهم ممن تتوفر لديهم هذا القطعة النقدية التي تسلك طريقها إلى عالم النسيان، والحديث لاشك هنا يدور عن الأطفال وإن كان الأمر لا يخلو من بعض الكبار الذين اعتادوا الشراء من "أبو محمد" منذ خمسة عشر عاما حين ترك عمله في المغترب وعاد ليعمل في هذا المجال،

أنا أحبه كثير وأحب أن اشتري منه لأنه يبيع أشياء أحبها ويمنحني الوقت لاختيار الأشياء التي أريدها، لذلك اشتري منه تقريبا كل يوم إما بخمس ليرات أو بعشرة

موقع eDarra جال مع "أبو الليرة" في إحدى رحلات عمله ليخبرنا عن بعض تفاصيل عمله فكانت البداية عن مشواره الذي يقطعه كل يوم قائلاً:«في بداية ممارستي لهذا العمل لم يكن هناك خط سير محدد أسير عليه وكنت أجوب الشوارع بشكل عشوائي، ولكن مع مرور الأيام ومن خلال الفترة الطويلة التي أمضيتها في ممارسة هذا العمل والتي تقدر إلى الآن بخمس عشرة سنة فقد أصبح لي زبائن معروفين في بعض الحارات المحددة، يشترون مني بشكل يومي تقريبا، وصارت هذه الحارات هي الوجهة التي انطلق إليها كل يوم والتي تحتاج إلى فترة طويلة لكي أمر فيها وأقطعها جميعها، فانا ابدأ عملي من بعد ظهر كل يوم إلى مابعد المغرب».

أبو محمد..أبو الليرة

وعن علاقته مع زبائنه الأطفال يقول:«يحتاج الأطفال إلى نوع خاص من التعامل، وأنا أتعامل معهم بكل رفق كما احرص على أن أكون صبورا معهم وخصوصا أثناء قيامهم بالشراء والتي تحتاج في بعض الأحيان وقتا طويلا حتى يختارالطفل طلبه».

أما عن نظرة الناس إليه فيقول:«يبادلني الجميع الحب والاحترام، وأملك علاقة طيبة مع جميع الناس، الذين ترتسم الابتسامة على وجوههم عندما يشاهدونني والكثير منهم تسعده العبارات التي أنادي بها ثأناء عملي مثل "ليرة ليرة، أرب أرب، جديد، إحنا ما بنعطي،الله ألي بيعطي، تنزيلات" وغيرها من العبارات التي يطلب مني كثير من الناس ترديدها على مسامعهم كلما رأوني».

يبيع الزبائن......؟

شعار "أبو محمد" هو "ليرة ليرة" فعن الأشياء التي يبيعها بليرة يقول:«كان هناك الكثير من الأشياء التي كنت أبيعها بليرة واحدة أما الآن فقد تقلص عددها، وحاليا الأشياء التي تباع معي بليرة هي علكة واحدة بليرة، وعلكتين بليرة، أو "مطعّم" أي "سكاكر" القطعتين بليرة، وجيلي القطعة بليرة، أما بقية الأشياء فيتراوح سعرها بين الليرتين ونصف والخمس ليرات والعشر ليرات، ليس أكثر».

وعن الصعوبات التي يواجهها "أبو محمد" في عمله يقول:«أنا رجل تجاوزت السبعين عاما، لذلك فان المسافة التي اقطعها والوقت الذي أمضيه في العمل أصبح يرهقني على المستوى الجسدي، عدا عن ذلك فان أرباح هذا العمل لا تتساوى مع الجهد الذي ابذله، وفي أحسن الأحوال لا أربح أكثر من مائة وخمسين ليرة، إضافة إلى الصعوبات في التعامل مع الأطفال الذين يأخذون في كثير من الأحيان أشياء دون أن يعطوني ثمنها الأمر الذي جعلني الآن مديونا بثلاثة آلاف ليرة لصاحب المحل الذي يمدني بالبضاعة التي أقوم ببيعها».

نزيه غزاوي ...وبوسة راس

الطفل "علي إبراهيم عوير" يقول عن "أبو محمد":«أنا أحبه كثير وأحب أن اشتري منه لأنه يبيع أشياء أحبها ويمنحني الوقت لاختيار الأشياء التي أريدها، لذلك اشتري منه تقريبا كل يوم إما بخمس ليرات أو بعشرة».

أما الشاب "نزيه غزاوي" فيقول:«أبو محمد" إنسان مثالي وهو نموذج للإنسان المكافح، وقد اعتدنا على مروره أمام منزلنا منذ زمن طويل، و أفضل الشراء منه على الذهاب إلى المحلات الأخرى، أتمنى من الله أن يطيل بعمر "أبو محمد" وأن يبقيه لنا».