تعد قرية "رخم" إحدى أقدم قرى حوران المأهولة بالسكان، يوجد فيها آثار ضاربة في التاريخ تعود للعصر الروماني، وفيها العديد من الكنائس الرومانية، والقناطر الفريدة، وتشير الدلائل الأولى لعملية الاستيطان البشري في القرية إلى ما قبل الميلاد على أقل تقدير.

لعبت "رخم" دوراً هاماً في العصور القديمة وخاصة في الفترة الرومانية، حيث تحفل اليوم بآثار تدل على مكانتها وتعاقب الحضارات عليها، مدونة وطن eSyria للتعرف على المدينة ومعالمها الاثرية، زارت مختار القرية "عطية سلبود" الذي تحدث بالقول: «"رخم" إحدى قرى ريف محافظة "درعا" الصغيرة. وهي قرية عريقة وقديمة بناؤها ذو طابع روماني، تقع في سهل حوران، تتبع لبلدة "المليحة الغربية"، وتبعد عن مدينة "درعا" حوالي 40 كم باتجاه الشرق، إلى الشمال من طريق بصرى الدولي. بين بلدتي الكرك الشرقي في الجنوب، والمليحة الغربية في الشمال، مساحة المخطط التنظيمي قرابة 100 هكتار، عدا الأراضي الزراعية التي تعتمد على مياه الأمطار القليلة للغاية. وفيها مدرسة ابتدائية حلقة أولى ومسجد وكنسيتان واحدة قديمة والأخرى حديثة، عدد السكان ما بين 1500 إلى 2000 نسمة، وسبب قلة عدد سكانها يعود إلى هجرة أغلب شبابها إلى الكثير من دول الخارج، ورحيل القسم الآخر إلى العاصمة دمشق ومدينة "درعا". بسبب الدراسة والعمل، ولا يأتون إليها إلا في أوقات الصيف لقضاء إجازاتهم حيث طقس الطبيعة الهادئ».

يوجد في القرية آثار ضاربة في التاريخ تعود للعصر الروماني، وبها العديد من الكنائس الرومانية، والقناطر الفريدة، ونفق أثري تم إغلاقه. وتشير الدلائل الأولى لعملية الاستيطان البشري في القرية إلى ما قبل الميلاد على أقل تقدير، أواسط الألف الأول قبل الميلاد. وكان للموقع المتميز للقرية وامتداد السهل في كل الجهات الدور الأكبر في إشرافها على مساحات كبيرة، ومراقبة جميع الجهات، ورصد حتى جبل العرب الواقع شرق القرية، وللجرف الطبيعي الذي أشيدت عليه، دور مهم في جعلها من أقدم القرى المسكونة في المنطقة

وعن أهم الزراعات في القرية يقول الأستاذ "هايل وقاص" أحد أبناء القرية: «قرية رخم تمتعت تاريخياً بموقع استراتيجي هام ناتج عن توسط موقعها بين العديد من القرى والبلدات، وتعتبر من القرى القليلة التي حافظت وعلى مر السنوات على علاقات طيبة ومتزنة بين أهلها، حيث اشترك الجميع بوحدة الحال ومستوى معيشي متقارب، وتشتهر بزراعة البقوليات بأنواعها والخضار بأنواعها وعدد كبير من أشجار الزيتون حيث تشكل أراضي القرية غابة من أشجار الزيتون، ويحافظ أهلها على العادات والتقاليد الإسلامية والعربية الأصيلة، ولم تحتو حياتنا القروية يوماً التعقيدات والرسميات الاجتماعية، وإنما كان عنوانها البساطة والعفوية في كل تفاصيلها ومتطلباتها، فمدفأة الحطب برائحة حطبها الطبيعي ومخلفات الحيوانات سيدة سهراتنا ومجالسنا في فصل الشتاء لأنها الأقدر على إشعارنا بالدفء، وسهراتنا الصيفية واجتماعنا في منزل أحدنا لقضاء حاجيات القرية، وحل أي خلاف يحصل بين أبنائها».

جانب من الكنيسة

عملية الاستيطان البشري في القرية القديمة يعود إلى ما قبل الميلاد وهنا يقول الآثاري "ياسر أبو نقطة": «يوجد في القرية آثار ضاربة في التاريخ تعود للعصر الروماني، وبها العديد من الكنائس الرومانية، والقناطر الفريدة، ونفق أثري تم إغلاقه. وتشير الدلائل الأولى لعملية الاستيطان البشري في القرية إلى ما قبل الميلاد على أقل تقدير، أواسط الألف الأول قبل الميلاد. وكان للموقع المتميز للقرية وامتداد السهل في كل الجهات الدور الأكبر في إشرافها على مساحات كبيرة، ومراقبة جميع الجهات، ورصد حتى جبل العرب الواقع شرق القرية، وللجرف الطبيعي الذي أشيدت عليه، دور مهم في جعلها من أقدم القرى المسكونة في المنطقة».

تتميز القرية بطبيعتها الصخرية ويتابع: «ما يميز القرية طبيعتها الصخرية، حيث تم الاعتماد في الاستيطان على جرف بازلتي عال يزيد ارتفاعه على عشرين متراً، وعلى واد طبيعي يدعى "وادي الذهب" قادم من الشرق من مرتفعات جبل العرب، بما كان يجلبه من كميات مياه صافية طوال أوقات الشتاء والربيع، وحتى أجزاء من فترة الصيف، ولم تقف حدود الاستفادة منه عند المياه المتدفقة منه فقط، وإنما قام أصحاب البلدة ببناء وإشادة عدد من البرك، وذلك لتخزين كميات احتياطية من الماء لاستخدامها أوقات الجفاف وفي الظروف الصعبة، إلا أن هذا الوادي تم قطعه منذ عقود من إحدى القرى القريبة للقرية».

الاثاري ياسر ابو نقطة

تتميز البلدة بكثرة "البرك" والتي تمتلك قيمة تراثية منذ تأسيس القرية وعنها حدثنا المواطن "حسان حداد": «تتمتع قرية "رخم" بموقع استراتيجي هام، وتتميز وتشتهر بـ"البرك" والتي تمتلك قيمة تراثية منذ تأسيس القرية، في واقع الأمر تأتي منظومة هذه البرك بمثابة شكل أنموذجي لنظام السقاية والإرواء، الذي كان معتمداً من قبل العرب الأنباط، بهذا ترتدي قيمة تاريخية وبيئية ما يستدعي الحفاظ على تلك المنظومة المتكاملة المؤلفة من قناة وخمس برك وبئرين"، منها بركتا "أم الشيد وأم الصوف"، وأم البيضة وهي الأكبر، وأم الصفا.

وتعتبر صفة طبيعية وطبوغرافية وبيئية في القرية القناة التي تأتي بالماء من وادي الذهب من تخوم جبل العرب، وتصب ببركتين قائمتين على بركتي "أم الشيد، وأم الصوف"، ومن ثم تصب ببركة في منتصف القرية بركة "أم البيضة"، ومن هذه يذهب الماء عبر ممر أرضي إلى بئر أثري، قائم على زاويتها الجنوبية الشرقية، ومن هذه البركة أيضاً يذهب في قناة قصيرة تحت الأرض إلى بركة مجاورة أم البيضة، ومن هذه يذهب الماء عبر ممر ارضي إلى بئر اثري قائم على طرفها الغربي، كما يذهب الماء منها عبر قناة إلى بركة أخرى قائمة في شمال القرية تسمى "ام الصفا"، بالإضافة إلى ذلك كانت توجد بركتان سابقتان موجودتان في القسم الغربي من القرية تم طمرهما مع الأيام».

من اثار القرية الرومانية

كنيسة القديس "جاورجيوس" من الكنائس الأثرية المهمة في القرية وعنها حدثنا الخوري "فراس عطية سلبود": «تقع هذه الكنيسة إلى في وسط القرية موجهة إلى جهة شرق غرب البلدة، وقد حلت محل كنيسة قديمة كانت مبنية من الأقواس الحجرية وأرضيتها مرصوفة ومبلطة ببلاطات حوران المعروفة، هي من الحجر البازلتي الأسود، يوجد لها فتحة مستطيلة الشكل، ويوجد حجارة من البناء القديم منقوش عليها كتابات يونانية قديمة ما دلل على أن الكنيسة مبنية على أنقاض كنيسة قديمة تعود إلى العصور الرومانية أو البيزنطية، ونجد على عتبة الباب نقوشاً تزيينية وصليباً من كل جانب بارز المعالم، ووضعت فيه ذخائر القديس "جاورجيوس" العظيم في الشهداء، وهو من أولياء الله الأكثر شهرة وتكريماً لدى سكان حوران، وهو محبوب لدى جميع سكان حوران. فينذرون له النذور، من مسيحيين ومسلمين ودروز من محافظتي "درعا والسويداء"، ويذبحون على عتبته الخراف ويوزعونها على الفقراء.

والشهيد جاورجيوس كثير الرأفة وحاضر العون، وهو "للأسرى مُعتق، وللمساكين مُحير، وللسقماء طبيب. وهناك احتفال ديني وطني سنوي مهم يقام في بلدة "رخم" بمناسبة ليلة السادس من أيار بمناسبة عيد القديس "جاورجيوس" المتزامن مع يوم عيد الشهداء، يقام فيه احتفال ديني يتضمن صلاة وتراتيل وتذكاراً للشهيد "جاورجيوس" وشهداء الوطن، وقد حافظت على رونقها حتى اليوم. كانت وما زالت مخصصة للعبادة بحسب الطقس البيزنطي لطائفة الروم الأرثوذكس، ولا تزال الاحتفالات الدينية تقام باستمرار تحت قناطرها وقبابها».