يعتبر "نبع الجهير" من المواقع الأثرية الهامة في مدينة "بصرى الشام"، والتي تنفرد بخصوصية كبيرة ومكانة مميزة في نفوس القاطنين هناك، لما يتمتع به من أهمية تاريخية حافظت على حياة سكان المدينة وجميع القرى المحيطة بها، بفضل مياهه العذبة.

الآثاري "علاء الصلاح" ذكر لموقع eDaraa بتاريخ 29/2/2012 أن النبع تميز وتفرد بمكانة تاريخية لكونه كان المصدر المائي الوحيد لمدينة "بصرى"، حيث كانت بداية الاستيطان في مدينة "بصرى" حول نبع الجهير والمنطقة المحيطة بها في فترة البرونز الوسيط، أي حوالي من 2000 إلى 1500عام، وكان مصدر المياه العذبة للمواطنين، ترتاد على مساحته البالغة 100م2 منفصلة إلى قسمين شرقي وغربي، وفيه 3 غرف الأولى دائرية الشكل والثانية والثالثة تشبه الشكل المستطيل بأسوار محاطة بحجر البازلت الأسود، والعديد من الدرجات التي تؤدي إلى أسفل النبع، وهي عبارة عن أحجار بازلتية ملونة ذات أشكال هندسية رائعة الجمال تمكن الناظر فيها من رؤية تلك الخريطة الهندسية وسط مياه النبع الصافية.

كان درب الجهير هو المتنفس الوحيد في مدينة "بصرى"،حيث لم يكن هناك الحدائق أو أماكن للنزهات، وكل الناس يعملون بالفلاحة والزراعة، وإمكانيات الناس متقاربة في طريقة معيشتهم اليومية، وفي المأكل والملبس، وهو كان بمثابة قلب ينبض بالخير ليعم على جميع أهالي "بصرى الشام" الذين أحبوا الجهير لأنه نبع الحياة ولأنه المصدر الأساسي لحياتهم. إنه روح بصرى الذي أمدها بأسباب الحياة وسبب من أسباب قيامها وحضارتها

وعن مكان النبع الأثري ومكانته لدى الأهالي في مدينة "بصرى" الأثرية تقول السيدة "وفاء العودة" مديرة آثار "بصرى": «يقع نبع الجهير شمالي جامع "الخضر" الذي لا تزال جدرانه المبنية في العهد الروماني قائمة حتى الآن، أما البقية التي تظهر في الجهة الشمالية الشرقية من النبع فهي ما تبقى من مبنى حمامات المعسكر الروماني، ومعروف منذ التاريخ النبع بعذوبته وبأنه المغذي الوحيد للمنطقة كلها، وهو نبع شهير وغزير المياه في السنين الماطرة ولعله السبب في وجود المدينة، وظهرت المياه الباطنية شمال غربي مدينة "بصرى" لتشكل عيوناً وينابيع كثيرة أهمها هذا النبع الشهير، وتتأثر هذه الينابيع في غزارتها بكمية المطر، فهي تفيض في السنين الماطرة وتجف في السنين القليلة المطر».

الباحث محمد فتحي المقداد

الباحث في التراث "محمد فتحي المقداد" حدثنا عن المكانة التي يشكلها النبع لدى أهالي مدينة "بصرى" فقال لنا: «هذا النبع الجوفي الذي يتموضع عند الخاصرة الشمالية الغربية لبصرى قديماً. تفيض الحياة فيه خلال الربيع بعد ذوبان الثلوج على جبل العرب، وتفيض معه العيون التي تقرب منه لأنها مثل "الجهير" منطقتها أخفض المناطق في "بصرى". ويبقى النبع يفيص حياة وحباً، لكنه في منتصف الصيف وأواخره تقل مياهه النابعة حتى كان يضطر الكثير من النساء للدخول إلى المغارة التي تمتد عدة أمتار في جوف صخري تحت الأرض لملء تنكات الماء "السطل"، والنساء كان يطلق عليهن "ملايات" أي يملأن الماء للبيوت على رؤوسهن أو بواسطة الحمير، وقد كانت تنهل منه "بصرى" وما حولها من القرى والعربان التي تسقي ماشيتها، وإذا أردت أن تصل لمياه الجهير، فلا بد لك أن تنزل ما يقرب العشرين درجة.

وعندما يفيض النبع تقوم النسوة منذ الصباح الباكر عند طلوع الشمس لتعبئة المياه ونقلها للمنازل عبر عدة نقلات وكذلك وقت المساء، وهنا يكون الشباب قد أنهوا أعمالهم ولبسوا أحلى الثياب عندهم ورشّوا على أنفسهم كالونيا "أم البنات" وتزينوا، ويخرجون زرافات ووحدانا، ومنهم من يكون يبحث عن عروس، ومنهم من يذهب ليرى ويغازل من يحبها، بالطبع يكون اللقاء مع الزحمة، بالعيون أو بالإشارات أو بطرف العيون أو بالابتسامات، هذا هو النبع حياة وذكريات لا تنسى من ذاكرة أهالي مدينة "بصرى" والقرى المجاورة لها».

نبع الجهير

السيد "عدنان مقداد" حدثنا عن المزيد والأمور التي تخص النبع الأثري وهنا يقول: «كان درب الجهير هو المتنفس الوحيد في مدينة "بصرى"،حيث لم يكن هناك الحدائق أو أماكن للنزهات، وكل الناس يعملون بالفلاحة والزراعة، وإمكانيات الناس متقاربة في طريقة معيشتهم اليومية، وفي المأكل والملبس، وهو كان بمثابة قلب ينبض بالخير ليعم على جميع أهالي "بصرى الشام" الذين أحبوا الجهير لأنه نبع الحياة ولأنه المصدر الأساسي لحياتهم. إنه روح بصرى الذي أمدها بأسباب الحياة وسبب من أسباب قيامها وحضارتها».

ويروي السيد "خالد مقداد"من مدينة "بصرى" حكاية الملايات وبعض أوجه الحياة التي كانت تعيشها نساء المدينة فيقول: «كانت النساء يحملن على رؤوسهن أوعية طناجر لملئها بالماء من "نبع الجهير" بمدينة "بصرى"، حيث لم يكن في البلدة والمناطق المجاورة مصدر نظيف لمياه الشرب بل عبارة عن مياه تجميعية لسقاية المواشي، وكان لا بد من مسير يومي إلى نبع الجهير لأهالي ونساء المناطق المجاورة للمدينة، وقطع مسافة تتجاوز 5 كم ذهاباً ومثلها في العودة للحصول على المياه النقية، فكانت تحاك الحكايات والقصص خلال تعبئة الملايات للمياه ونقلها للمنازل، وكانت معظم الحكايات مرتبطة بطريق الجهير وبهذا النبع المعطاء الذي كان الحياة والأمل لجميع أبناء المنطقة».