لا تزال العديد من العادات المتوارثة بحوران والتي اكتسبوها من أسلافهم متداولة حتى الوقت الحاضر، ومن هذه العادات لجوء كبيرات السن أو "الجدات" إلى ما يعرف بتمليح الطفل، أي تغسيل المواليد الجدد بالماء المالح.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 15 تموز 2014 السيدة "سكرة العواد" وهي من كبار السن في المنطقة، لمعرفة المزيد حول هذه العادة لدى أبناء حوران، فقالت: «لا تزال السيدات وخصوصاً "الختيارات" من كبار السن، يقمن بتمليح الطفل أي تغسيل مواليدهن الجدد بالماء المالح، وفرك جلده بالملح في حمامه الأول تحت طلب وضغط من كبار السن الذين يرون في التمليح الفائدة الكبيرة لجلد الطفل، بما يتفق مع ما جرت عليه العادة والتقاليد المتوارثة محلياً، فلا تجد طفلاً صغيراً إلا وقد تم تمليحه وفرك جلده بالملح الطبيعي، ليكتسب جسمه القوة».

لو لم أقم بتمليح أولادي وأحفادي لظل جلدهم برائحة سيئة طول حياتهم، ولتعرضوا للكثير من الأمراض الجلدية، فهذه واحدة من أهم العادات المتداولة منذ زمن بعيد في حوران، ولولا التمليح في الصغر لما تمتع أولادي وأحفادي بأجسام قوية وتمتعوا بصحة تامة، ويتم تمليح الطفل الوليد ما بين اليوم السادس والعاشر من ولادته

وعن سبب تمليح الطفل الوليد وممارسة هذه العادة تقول الحاجة "نصرة المحمود": «هذه العادة القديمة قدم التاريخ، مصدرها عادات تناقلتها الأمهات عن الجدات بالمشاهدة والأحاديث لتصبح بذلك معتقدات بيئية راسخة، وتمليح الطفل الوليد وسيلة لتطهير الجلد وشده، وجعله قوياً حيث تزيد مناعته ضد الأمراض، وتقلل العرق، وتقوي العظام والعضلات، وتجعل رائحة جسم الطفل جميلة جداً وتخلصها من الرائحة التي علقت بجسم المولود أثناء عملية الولادة، إضافة إلى تسريع التئام الجروح وتطرية البشرة وحمايتها من التحسس، كما تساهم في علاج أية مشكلات جلدية في البشرة مثل الالتهابات أو الحبوب أو الحساسية ويمنعها مستقبلاً، والأهم إزالة رائحة العرق تحت الإبطين وأسفل القدمين والفم عند الكبر».

التمليح تحت الإبطين

"فريال الرفاعي" في السبعين من عمرها وجدة لنحو 18 حفيداً تقول عن هذه العادة: «لو لم أقم بتمليح أولادي وأحفادي لظل جلدهم برائحة سيئة طول حياتهم، ولتعرضوا للكثير من الأمراض الجلدية، فهذه واحدة من أهم العادات المتداولة منذ زمن بعيد في حوران، ولولا التمليح في الصغر لما تمتع أولادي وأحفادي بأجسام قوية وتمتعوا بصحة تامة، ويتم تمليح الطفل الوليد ما بين اليوم السادس والعاشر من ولادته».

يدلك جسم الطفل بلطف وخاصة تحت الإبطين ومنطقة الأفخاذ، وتضيف السيدة "سمرالكفري" المعروفة "أم منية" عن كيفية التمليح: «في البداية تجتمع نساء الحارة والأقارب وخصوصاً المتقدمات في السن، وبعد تناول شاي القرفة والحلاوة و"البحتة" (الرز بحليب)، يتم تمليح الطفل عن طريق أخذ حفنة من الملح في اليد ووضعها في إناء صغير"طاسة"، ويتم خلط الملح بالماء ويدلك بها جلد الطفل بلطف وخاصة تحت الإبطين ومنطقة الأفخاذ، ويترك على الجلد لمدة قصيرة، ثم يغسل الجسم بالماء فقط ودون استخدام الصابون، ثم يتم غسل وتحميم الطفل في اليوم الثاني بشكل عادي واعتيادي».

فرك الجسم بالملح

تتنوع الممارسات التي تتبعها الأمهات وكبار السن مع المولود الجديد، هذا ما يؤكده السيد "محمد فتحي المقداد" الباحث في التراث الحوراني ويضيف: «تتنوع العادات مع المولود الجديد باعتبارها تمثل جانباً من الموروث الشعبي الحوراني الغني بهذه العادات، تناقلتها أمهاتنا التي ورثتها عن الجدات، وأساس نجاح ومتابعة ممارسة هذه العادات والتقاليد، اعتماد هذه الممارسات على التجربة من دون الاستناد إلى أسس علمية، ونجاح التجربة لمرة واحدة يجعل منها مسلمة تطبق على عدة حالات ويتم تداولها مع الزمن، ومن هذه العادات تمليح الطفل الصغير الجديد، التي ثبت نجاحها لذلك تداولتها النساء وأصبحت من المسلمّات عند ولادة الطفل الجديد في حوران، حيث تكون فرصة لاجتماع الجدات وكبار السن في جلسة احتفالية تضم أنواعا مختلفة من الحلويات والعصائر المتنوعة التي تقدم في هذه المناسبات، وربما هناك بعض الأطباء أو المختصين لا يحبذون هذه العادة و بعض النتائج السلبية التي قد تنتج عنها، إلا إنه لا يمكن أزالة هذه العادة من الموروث الشعبي الحوراني».

الدكتور "محمد هزاع" أخصائي أطفال تحدث عن الفوائد الصحية لعادة تمليح الطفل وما تمثله من موروث شعبي في حوران فقال: «عادة تمليح الطفل هي نوع من الممارسات التي تتبعها الأمهات مع المولود الجديد، باعتبارها تمثل جانباً من الموروث الشعبي، ولهذه العادة فوائد ومضار، فعادة التمليح لها فوائد في تطهير وإزالة الطبقة الدهنية للطفل في الأسبوع الأول من ولادته، بالإضافة للتخريش أي تعقيم الجلد وهي عادة غير محببة علميا لكنها لا تزال شائعة بين الناس ولا يمكن إنكارها».

السيدة "سكره العواد"