ثمة عادات وتقاليد قديمة ترافق ولادة الطفل في "حوران" تعد جزءاً أساسياً من الفلكلور والتراث الحوراني، أهمها تحنيك المولود الجديد في الأيام الثلاثة الأولى من ولادته.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 15 تموز 2014، السيد "حسين الشمري" أحد المهتمين بالتراث الحوراني، فقال عن عادة "تحنيك الطفل": «هذه العادة هي ليست إلا تقليد من التقاليد الشعبية لأهل "حوران"، ومن عادة أهل حوران أن يقوم الجد أو الأب أو الجدة "والدة الأب أو الأم" بتحنيك المولود الجديد في الأيام الثلاثة الأولى من ولادته، ولا يجوز أن تقوم والدة الطفل بهذه العملية أو العادة لأنها تكون عادة أثناء فترة التحنيك "نـُفسَاء"، والتحنيك من الحَنـَك والحنـَك من الإنسان والدابة هو باطن أعلى الفم من الداخل، وقيل هو الأسفل في طرف مقدم اللحيين من أسفلهما والجمع أحناك، والتحنيك في الفعل أن تمضغ التمر ثم تدلكه بحنك الطفل الوليد داخل فمه».‏

اهتم الإسلام اهتماماً كبيراً بالطفولة منذ لحظة الولادة، والأولاد نعمة عظيمة، ومنّة جليلة من الله تعالى يجب الشكر عليها، وإظهار الفرح بها، وحسن تعهدها بالرعاية والتربية لتصبح نبتاً طيباً في روضة الإسلام. وقد شرع الإسلام للطفل حقوقاً في جميع مراحل طفولته ورد بعضها في كتاب الله، وأسهبت السنة في تفصيلها، وجعلتها من السنن الثابتة في بر الآباء بأبنائهم

سكان "حوران" يمارسون "تحنيك الطفل" منذ أمد بعيد، هذا ما يؤكده السيد "محمد فتحي المقداد" الباحث في التراث الحوراني، ويضيف: «سكان وأهالي قرى وريف حوران يمارسون هذه العادة التراثية القديمة منذ أمد بعيد، حيث يقوم بعضهم بمضغ حبة تمر أو عسل أو أي شيء حلو ثم يضعونه في فم الرضيع وهو في أسبوعه الأول، ظناً منهم أن هذا الفعل يجعل المولود يتكلم باكراً، ولتحسين النطق فيصبح لسانه طلقاً ويحسن مخارج الحروف كافة، ويفضل أن تجتمع الأسرة ليشهد كل فرد منها عملية التحنيك، وهم يداعبون الوليد ببعض الكلمات، أو يرقونه بعبارات من: "خزيت العين، والصلاة على النبي"، ويجب أن يكون "المحنِّك" وهو الذي يقوم بعملية التحنيك، متأنياً وصبوراً حتى لا يدخل الطفل شيئاً من التحنيك في مجرى التنفس».‏

تحنيك الطفل

بينما تحدث السيد "خالد عويضة" أحد المهتمين بالتراث الحوراني عن عملية التحنيك بالقول: «هناك عدة طرق متبعة في التقاليد والتراث الحوراني المتداول منذ زمن طويل وبعيد، منها أن يقوم "المُحَنِّك" بوضع التمرة في فمه ومضغ التمرة أو العسل أو أي طعام حلو غير مطبوخ، ثم يضعه على إصبعه ومن ثم يبدأ دلك فم الرضيع من الداخل بادئاً بالطرف الأيمن صاعداً إلى سقف الحلق، فيدلكه بشكل نصف كروي مع ضغط خفيف، ومن ثم إلى الطرف الأيسر من الفم ليمسح اللسان بما تبقى، وللأعلى والأسفل وبذلك ينتهي التحنيك، وهناك طريقة أخرى يأخذ أحدهم حبة تمر فينزع قشرتها ثم يدخلها في فم الرضيع الذي يبدأ تذوق حلاوتها بلسانه لأكثر من مرة».

الشيخ "بسام المسالمة" مفتي محافظة "درعا والسويداء" تحدث عن عادة تحنيك الطفل الوليد بالقول: «اهتم الإسلام اهتماماً كبيراً بالطفولة منذ لحظة الولادة، والأولاد نعمة عظيمة، ومنّة جليلة من الله تعالى يجب الشكر عليها، وإظهار الفرح بها، وحسن تعهدها بالرعاية والتربية لتصبح نبتاً طيباً في روضة الإسلام. وقد شرع الإسلام للطفل حقوقاً في جميع مراحل طفولته ورد بعضها في كتاب الله، وأسهبت السنة في تفصيلها، وجعلتها من السنن الثابتة في بر الآباء بأبنائهم».

الشيخ بسام المسالمة مفتي درعا والسويداء

ويتابع: «ومن الأعمال التي شُرعت في أول يوم من حياة الطفل، البشارة به والدعاء له والتهنئة بقدومه، والأذان والإقامة في أذنيه، ثم تحنيكه، فالتحنيك سنة واردة عن الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم"، وردت في السنة الصحيحة للطفل التي قام بها الرسول الكريم حنك فيها كثيرين من أطفال المسلمين لأن فيها الخير والصلاح للأطفال في حياتهم كلها، وهذا نهج الإسلام من خلال سنة النبي عليه السلام، والتحنيك يعنى مضغ التمر، أو الشيء الحلو بفم شخص صحيح غير مريض، ووضعه في فم المولود، ودلك حنكه به، وقد وردت أحاديث نبوية كثيرة فى التحنيك منها عن أبي "موسى رضي الله عنه" قال: "ولد لي غلام فأتيت به النبي "صلى الله عليه وسلم" فسماه إبراهيم، فحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ودفعه إليّ».

الدكتور "محمد هزاع" طبيب أطفال تحدث عن الفوائد الصحية لعادة تحتنيك الطفل في "حوران" فقال: «تحنيك الطفل عادة شائعة في جميع مناطق حوران، وتقليد تراثي، إضافة إلى العديد من العادات المتعددة الخاصة بالطفل الوليد، تتجلى حكمة التحنيك كسنة نبوية، لذلك فقد دأبت المستشفيات الخاصة بالولادة والأطفال على إعطاء المواليد محلول الجلوكوز الذي يحتوي على سكر الجلوكوز بكميات جيدة بعد ولادته مباشرة، وقبل أن ترضعه أمه، فالتحنيك له عدة فوائد فهو علاج وقائي من أمراض نقص السكر في الدم، لأنه يحتوي على سكر الجلوكوز بكميات جيدة، وخاصة بعد إذابته بالريق الذي يحتوي على أنزيمات خاصة تحول "السكروز" السكر الثنائي إلى سكر أحادي».

التمر الأفضل لعملية التحنيك

ويتابع: «أما الريق فإنه ييسر إذابة السكريات، ومن ثم ييسر للمولود الاستفادة منها، كما أن للضغط على سقف حلق الطفل لأعلى أثناء التحنيك أثراً في إعطاء الفم الشكل الطبيعي لتهيئة الطفل لإخراج الحروف سليمة من مخارجها الطبيعية عندما يبدأ الطفل الكلام، إضافة لتقوية عضلات الفم بحركة اللسان مع الحنك والفكين حتى يتهيأ المولود للقم الثدي، وامتصاص اللبن بشكل قوي، وتحريك الدم، ومساعدة للهضم».