بعد أن قالت فيه التكنولوجيا كلمتها واستقال من أداء مهامه الأساسية، انزوى إلى ركن من أركان "المضافة" ليمارس أدواراً جديدة تقتصر على منح القيم واللمسات الجمالية للمكان الذي تم ركنه فيه، وليبقى رغم إحالته إلى خزانة التراث قائماً وحاضراً في ذاكرة الشعب الذي ينتمي إليه.

السيد "سليمان الزامل" من أهالي محافظة "درعا" تحدث عن "المهباج" بالقول: «رغم وجود آلات حديثة لطحن القهوة، ولكن ما زال المهباج موجوداً عند الكثيرين من الناس الذين يفضلون إعداد القهوة العربية به لأنه يعطي القهوة نكهةً أطيب ومذاقاً مميزاً، كما أصبحت الكثير من العائلات تحتفظ به في منزلها كفلكلور وتراث وزينة في المنزل خصوصاً في المضافات كبيرة الحجم، لأنه يعد من أجمل أدوات التراث الشعبي».

يعد الخشب من أنسب وأفضل المواد التي يمكن أن يصنع منها "المهباش" ولابد أن يكون هذا الخشب من النوع الصلب كي يؤدي المهباش أدواره دون أن يتأثر أو يتعرض للكسر، ولذلك يعد "المهباش" المصنوع من شجر "البطم" هو من أفضل الأنواع نظراً لصلابته ذلك الأمر الذي يمكّنه من طحن حبات البن وهرسها بشكل جيد

وللتعرف أكثر على هذه الأداة زارت مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 4/5/2009 المحامي "أحمد ناجي المسالمة" الباحث والمهتم بالشؤون التراثية والذي يصف لنا "المهباش" بالقول: «يتألف المهباش من جزأين، الجزء الأول وهو عبارة عن جسم خشبي صلب اسطواني الشكل يصل ارتفاعه إلى 55 سم تقريباً، يوجد في قسمه العلوي فوهة دائرية يبلغ قطرها ما بين /8/ إلى /20/ سم، وأما الجزء الثاني "للمهباش" فهو عبارة عن يد خشبية طويلة لا يقل طولها عن المتر وقد تم تصميمها بشكل هندسي جميل بحيث تكون عريضة من الأسفل وذلك من أجل طحن حبات البن بسهولة، ورفيعة من الأعلى ويوجد في قسمها العلوي مكان مخصص لقبضة اليد، وفي المراحل الأخيرة أصبح "المهباش" يزين بالمسامير ويرصع بالصدف ويمكن أن تضاف إليه حلقة نحاسية في أحد جوانبه تساعد في سهولة حمله».

المهباش

وعن أهم المواد التي يصنع منها المهباش يضيف بالقول: «يعد الخشب من أنسب وأفضل المواد التي يمكن أن يصنع منها "المهباش" ولابد أن يكون هذا الخشب من النوع الصلب كي يؤدي المهباش أدواره دون أن يتأثر أو يتعرض للكسر، ولذلك يعد "المهباش" المصنوع من شجر "البطم" هو من أفضل الأنواع نظراً لصلابته ذلك الأمر الذي يمكّنه من طحن حبات البن وهرسها بشكل جيد».

وعن الأسماء التي تطلق على المهباش يشير بالقول: «يحمل "المهباش" أسماء عديدة ومتنوعة وذلك لتنوع وتعدد المناطق والناس الذين يستعملونه ومن هذه الأسماء "الجرن" وهو الاسم المستخدم والمتداول للمهباش في منطقة حوران، ومن الأسماء أيضاً "المهباج" و"النجر" و"الهاون" و"المدق" و"النقر"، ويبقى اسم "المهباش" هو الأشهر والمتداول بين الناس ولتسميته بهذا الاسم قصة مفادها "أن أحد زعماء العشائر في الزمان الماضي كان إذا أراد جمع أفراد عشيرته لأمر ما بعث إليهم خادمه واسمه "مهباش" للقيام بهذه المهمة، وكان إن مات هذا الخادم يعين زعيم العشيرة أخاه للقيام بمهمة الخادم ولكنه لم يتمكن من ذلك، فأشاروا عليه أن يقوم بدق الجرن فيكون ذلك بمثابة الجرس يجتمع الناس عند سماعه وهذا ما كان وتخليداً لذكرى الخادم ومكافأة له على أدواره أصبح يطلق على الجرن اسم "مهباش"».

المحامي والباحث احمد ناجي مسالمة

وعن أدوار "المهباش": «"للمهباش" دور مميز في الحصول على قهوة عربية مميزة النكهة، ففي رحلة الحصول على هذه القهوة تقوم مهمته على طحن حبات البن بعد أن يكون تم تحميصها بالنار، هذه المهمة أشبه ما تكون بطقس موسيقي رائع تعزف فيه أجمل الألحان وأعذبها بواسطة هذه الأداة، وبقدر براعة الشخص الذي "يدق" على "المهباش" تأتي الألحان عذبة ومما تطرب له النفس.

وكثيراً ما ميزت الجمل الصوتية الصادرة عن المهباش الشخص الذي يصدرها فكان يقال حين تسمع هذه "دقة فلان" في إشارة إلى قدرته وبراعته، كما كانت الأصوات الصادرة عن "المهباش" تحمل في طياتها دلالات ومعانٍ كثيرة ولها علاقة بالكرم ومنها أنه إذا سمعها ضيف أو من انقطعت به السبل فإن ذلك دعوة للنزول بالبيت الذي تصدر عنه، كما أنها دعوة لأفراد العشيرة للسهر وتبادل الأحاديث في البيت الذي تسمع منه فكان يقال حين تسمع: "القهوة اليوم عند أبو فلان".

مع الربابة موسيقا وألحان

يبقى القول إن ما خلده الشعر والغناء لا يمكن أن ينسى مع الأيام وقد حظي المهباش بهذه المكرمة فتناوله الشعراء بقصائدهم والمطربون بأغانيهم. والذي ينتمي إلى الزمن الذي كان فيه المهباش أداة عصرية بامتياز لا يسعه أن ينسى أغنية العظيمة "فيروز":

دقوا المهابيج خلي الهوا جنوبي/ صوت المهابيج ينده يا محبوبي

والريح السودا تهيج دقوا المهابيج.

أيضاً أغنية الفنانة "سميرة توفيق": دق المهباش يا سويلم نار الدلال شعالة.

وأغنية المطرب العراقي "ياس خضر":

مرينا بيكم "حمد" واحنا بقطار الليل/ وسمعنا دق قهوة/ وشمينا ريحة هيل».

(*) تم تحرير المادة في عام 2009.