مازالت "شجرة البطم" في "نوى"، تحكي قصص التاريخ للأبناء، على الرغم من شيخوختها، فتحت ظلها يكون ملتقى الأصدقاء والأحبة، وعلى أغصانها احتضنت أطفال الجيران كما تحتضن العصافير، وعلى جذعها حُفرت ذكريات الماضي والحاضر، كما كان لها حكايات أخرى مع الأهالي.

يقول "حسين علي محسن" من مواليد عام (1951م)، وأحد المجاورين لها: «للشجرة قواسم مشتركة بين أهالي "نوى"، يتناقلها الأبناء عن الأجداد، وأنا من الناس الذين عاشوا وترعرعوا في ظلها، ولها ذكريات عزيزة على قلوبنا جمعياً، حيث كنا نجتمع ونلتقي حولها ونحن صغار، ونأكل من ثمارها، ونتسلق على أغصانها، وعلى جذعها كتبت أسماء الأصدقاء والأحبة، وكلما نظرت إليها تثير شجوني وأحاسيسي، وتشدني نحو الماضي البعيد».

لقد حدثنا أجدادنا أنها، كانت بجوار بيت "الإمام النووي" "يحيى بن شرف النووي" المعروف بـ"أبو زكريا"، وقد كان يستظل بها، وهو صغير قبل أن يذهب إلى دمشق لدراسة العلوم الدينية

وللتعرف على أسرارها، زار موقع eDaraa مدينة "نوى" بتاريخ 5/5/2010 وكان لنا أحاديث شيقة وممتعة حولها.

الباحث نضال شرف

السيد "نضال شرف" باحث في تاريخ وتراث جنوب سورية، حدثنا حول الجانب التاريخي للشجرة فقال: «تقترن شجرة البطم المعمرة كغيرها من بقية الأشجار في "نوى"، بأسماء لأضرحة دينية، مثل شجرة "الإمام النووي" وشجرة "سام بن نوح"، وشجرة "الشيخ نصار" موضوع حديثنا، وقد نسبت لهذا الشيخ الذي كان فقيهاً وعالم دين، وكانت تزرع هذه الأشجار عادة عند المقامات والأضرحة».

وفيما يخص أوصافها ذكر "شرف": «إن قطرها الظاهري بحدود متر ونصف، وقطر قسمها السفلي يقدر بأربعة أمتار، وما زالت هذه الشجرة بحالة جيدة، تثمر وتزهر وتورق حتى الآن، وهي الشجرة الوحيدة الباقية من هذا الصنف في المحافظة».

شجرة بطم معمرة

وفيما يتعلق بتحديد عمرها أضاف "شرف": «من الصعب تحديد عمرها، لكن استناداً لأحاديث الأجداد والآباء والمعمرين، الذين ولدوا في بداية القرن العشرين، فإن تلك الشجرة كانت موجودة في القرن الثامن عشر، وهناك من يرجح عمرها بين 400– 500 سنة».

بالمقابل يرى السيد "عبدو المذيب"، مدرس لغة عربية، ومهتم بقضايا التراث أن عمرها يتجاوز 500 سنة فقال: «لقد حدثنا أجدادنا أنها، كانت بجوار بيت "الإمام النووي" "يحيى بن شرف النووي" المعروف بـ"أبو زكريا"، وقد كان يستظل بها، وهو صغير قبل أن يذهب إلى دمشق لدراسة العلوم الدينية».

محيط جذع الشجرة

ولشجرة "البطم" حميمية خاصة عند الناس يقول "المذيب": «لأهالي "نوى" وخاصة المجاورين للشجرة، ذكريات وحكايات ترتبط بها، وفي مخيلة كل واحد منهم صور مختلفة حولها، لا يمحوها الزمن مهما طال، وخاصة تلك السهرات الجملية، والأحاديث الممتعة والمفيدة التي كانت تجمعنا حولها، وغالباً ما كانت تخص قضايا الحراثة والحصاد والمواسم والزواج وغيرها من القضايا الاجتماعية والمناسبات، فهي تشاركنا أفراحنا وأتراحنا، ولها مكانة خاصة، نظراً لأهميتها التاريخية والدينية، وارتباطها الكبير بتراث وثقافة هذه البلدة».

أما المهندس الزراعي "غالب الجهماني" فقد تحدث لموقع eDaraa في اتصال هاتفي حول الميزات الفنية للشجرة قائلاً: «تعتبر شجرة البطم في "نوى" من النوع الأطلسي، وهي معمرة لعدة مئات من السنين، نتيجة لمقاومة هذا النوع من الأشجار للجفاف وتحمل الأتربة الفقيرة والمحجرة، والنمو البطيء لنبتتها ما يؤدي إلى قساوة الخشب وهذا يزيد من عمرها، ناهيك عن كونها شجرة متساقطة الأوراق يصل ارتفاعها حتى 20، وقطرها 1م، أحادية الجنس، ثنائية المسكن، وتنتشر في كافة المناخات البيئية، وتعيش في مختلف الطوابق المناخية شديدة الجفاف والبرودة، يصادف هذا النوع من الأشجار في جبال البادية والقلمون وجبال لبنان الشرقية وجبل العرب، ويستفاد من أوراقها وأغصانها للاستخدامات الطبية والصناعية».

بقي أن نقول كانت الشجرة وماتزال نقطة علام، لالتقاء الأحبة والأصدقاء والمسافرين، والغرباء والزوار القادمين للبلدة.