يتناول الكاتب بشار ابراهيم في كتابه الموسوم "المخيم في الرواية الفلسطينية" وكما يدل العنوان، كيف تناول الكتاب الروائيون صورة المخيم الفلسطيني من خلال مجموعة كبيرة من الروايات بلغ ستاً وثلاثين رواية فلسطينية صدرت مند خمسينيات القرن العشرين حتى أواخره.

وقد مر على هذه الروايات دون أن يسهب في تفاصيل البنية الروائية فالموضوع الأساسي لديه هو ظهور المخيم في الروايه دون الولوج في الكيفية الفنية لذلك.

ترى إحدى الدراسات لهذا الكتاب أن الكاتب "لا يتناول المخيم كظاهرة فحسب، بل كمفهوم حقيقي، وسم تاريخ الشعب الفلسطيني برمته، وذلك عبر مقدمة نظرية طويلة وغنية، يتحدث فيها عن تاريخ اللاجئين الفلسطينيين، منذ أول تهجير عام 1905 حتى اليوم، وما أفرزه التهجير من مخيمات كثيرة منتشرة، سواء في الأردن وسورية ولبنان، أو المدن الفلسطينية المحتلة، القدس ونابلس والخليل وقطاع غزة وأراضي 48" وتتابع الكاتبة قائلة إنه: "يقدم مسحاً شاملاً عن المخيم في الرواية الفلسطينية، باعتبار الرواية تنطلق من محاولة لتقديم الوعي، وزيادته وتعميقه في الذات والواقع، وباعتبارها حملت منذ البدء هاجس الروائي في التعبير عن قضايا شعبه ومآسيه. لذلك كان ثمة روايات قامت بعملية أشبه بالتسجيل، أو التأريخ للمخيم الفلسطيني منذ ولادته، ومتابعة سيرورة الوقائع والحوادث التي حصلت فيه. كما كان هناك روايات التقطت مفاصل تاريخية في المخيم، أو تناولت الفاعلية المجتمعية فيه. وهناك روايات كان المخيم جزءاً من موضوعها لا غير، أو عبارة عن خلفية روائية للحوادث

يقدم الكاتب الرواية الفلسطينية التي تتحدث عن المخيم بوصفها إما تتحدث عن ولادة المخيم والأمكنة التي أنشئ فيها، بداياته وعلاقاته المتطورة مع جيرانه كأمكنة وأناس، وإما أنها تتحدث عن علاقات المخيم السياسية مع سلطات البلاد المقامة فيها، وهي سلطات عربية، وإما عن علاقة المخيم بوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة. وتشترك معظم الروايات بالحديث عن الثورة والأحزاب الفلسطينية، وكذلك عن الشهداء ومقابرهم التي راحت تكبر وتتنامى مع استمرار كفاح الفلسطينيين، وبعضها يتحدث عن التطورات والتحولات التي راحت تطرأ على المخيم، الأمر الذي يرسم للمستقبل تصورات مختلفة ومتباينة.

"في فصل بعنوان: "روايات موضوعها المخيم"، يميز الكاتب فيه بين الرواية التاريخية والرواية التي تستطيع أن تؤرخ، فتستخدم التاريخ بخطه العام فحسب، ثم تختلق الشخصيات والحوادث بما يخدم سيرها الفني. كالرواية التي تتحدث، مثلاً، عن مخيم جرمانا في دمشق، وفيها يرصد الكاتب التغيير الذي يطرأ مع الزمن على المجتمع في هذا المخيم، وعادات أهله القروية الفلسطينية.

يدرس أيضاً رواية "العشاق" لرشاد أبو شاور، فيتحدث عن أريحا بوجهيها المتناقضين، كأقدم مدينة في التاريخ، وحالياً كمخيم ببيوت طينية متناثرة، حيث التناقض بين التاريخ والواقع، في محاولة لتوثيق وجود المخيم، ومزج ذلك بتفاصيل وكوارث يومية في حياته.

ويدرس رواية "البدد" لنعمة خالد، و"الوداع" لعوض سعود عوض، و"مخيم في الريح" لعارف آغا...الخ.

ثم ينتقل إلى روايات كان المخيم عبارة عن مقطع أو فقرة أو حتى فاصل فيها. وترى الكاتبة التي درست هذا الكتاب أنه: "عموماً كانت تلك الروايات تركّز على مفاصل أشد تأثيراً في المخيم، مثل المجازر أو الاجتياح أو الاحتلال. وهنا أورد خمس روايات، أولها "بوصلة من أجل عباد الشمس" لليانة بدر، تتحدث فيها بضمير المتكلم، وتستفيد من تجربتها الشخصية ورؤيتها العيانية في الكتابة عن مخيم صبرا في بيروت، حيث تستذكر حوادث 1970 ومجازر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن. ثم يورد الكاتب دراسة في رواية "طقوس المنفى" للياس خوري، والتي هي هنا عبارة عن تصاديات في وجدان المنفيين ووعيهم وأحاسيسهم، حيث يرصد المخيم باعتباره وعاءً لمجتمع بشري بكل تنوعاته، مستهدف بالتخريب والإفساد والتمييع، رغم الأمل الكبير بالثورة والعودة، وليس كمجتمع ملائكة وأنبياء. ضمن هذا الفصل دراسة أيضاً لرواية "طيور الحذر" لإبراهيم نصر الله، ورواية "المخيم" لجمال جنيد.

في الفصل اللاحق، "روايات كان المخيم جزءاً من موضوعاتها"، يذهب بشار إبراهيم إلى قراءة روايات يتفاوت وجود المخيم فيها، ومن الممكن أن يتلخص ذلك بمجرد قيام إحدى الشخصيات بزيارة المخيم. وضمن ضغط الفكرة (التقاط المخيم أينما كان)، التي تسيطر على الكتاب برمته، يتلخص عمل أدبي كامل ربما بمقطع واحد. يلاحق الكاتب هذه الفكرة في أربع روايات، هي "قامات الزبد" لالياس فركوح، حيث المخيم قاعدة للفدائيين في مكتب الثورة، وهو مكتب في مخيم البص قرب مدينة صور في لبنان. ورواية "البحث عن هوية" لمحمد زهرة، و"دارة متالون" لنهاد توفيق عباسي، و"التصريح الأخير لموتى بلا هوية" لسليمان سعد الدين. في فصل خاص يعرّج الكاتب على المخيم في روايتي سحر خليفة، "الصبار" و"عباد الشمس"، باعتبارها الصوت الروائي الآتي من داخل الوطن المحتل، والذي يرصد المجتمع الفلسطيني في الأرض المحتلة ضمن الفضاء المديني الطاغي على كتاباتها، ابتداءً بنابلس مدينتها وصولاً إلى المدن الفلسطينية الأخرى كالقدس وغيرها".

ثم يتناول الكتاب ستة روائيين واثنتي عشر رواية. إثنتان ليحيى يخلف، "نشيد الحياة" و"تفاح المجانين". إثنتان أيضاً لرجب أبو سرية، "دائرة الموت" و"عطش البحر". إثنتان لجمال ناجي، "الطريق إلى بالحارث" و"وقت". روايتان أيضاً لنادر عبد الله، "نهاية شيء ما"، و"جمر الرصيف". وروايتان لعدنان عمامة، "الخرعندار" و"الولد سلمان". وأخيراً روايتان للحاج إسماعيل، "صافي صافي" و"الحلم المسروق".

وفي فصل آخر يتناول "المخيم في أعمال غسان كنفاني الروائية"، يستفيد الكاتب هنا من المكانة التي يتمتع بها كنفاني كخلاّق وشهيد، ومن أهمية أعماله الروائية. وإذ يتكلم كنفاني عن المخيم، في حديث خاص أدلى به إلى كاتب سويسري ونشر في مجلة "شؤون فلسطينية" 1974، نجد المؤشرات الواضحة حول طبيعة العلاقة التي تربطه بالمخيم، حيث عمل كمدرّس للرسم هناك، هو الذي سكن المدن منذ أن طرد وأهله من عكا عام 1948. الوقوف عند المخيم في روايات كنفاني، وخصوصاً "رجال في الشمس" و"ما تبقى لكم" و"أم سعد"، يتضمن، بحسب رأي بشار إبراهيم، ظلماً ما، لأنه لا يشتمل على كل التعبيرات والصور والرؤى التي شكلها الكاتب عن المخيم، والتي يمكن أن نجدها في قصصه القصيرة مثلاً".

وتتابع الدارسة: "في استكمال لتوثيق أدبي لتاريخ المنفى الفلسطيني يدرس الكاتب تمظهرات الانتفاضة الكبرى عام 1987 في الروايات الفلسطينية، وذلك في رواية "وجوه في مكان ساخن" لعبد الله تايه، التي تدرس المقدمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أسست لاندلاع الانتفاضة في مخيم جباليا. ورواية "الخروج من القمقم" لعمر حمش، و"صرخات" لمحمد نصار، التي تقدم صوراً من الانتفاضة اليومية في قطاع غزة، وكذلك الأمر في رواية "أنشودة فرح" لربحي الشويكي. أما رواية "الشمس في ليل النقب" لهشام عبد الرازق، فأشبه برواية مذكرات عن النضال الفلسطيني في المعتقلات. وأخيراً رواية "خنتش بنتش" لمحمود عيسى موسى، التي طبعتها اللجنة الشعبية الأردنية لدعم الانتفاضة، وقدم لها الكاتب الكبير جبرا إبراهيم جبرا حيث وصفها بالعمل الهائل والغني".

عموما إننا نوافق الكاتبة التي درست هدا الكتاب دراسة معمقة وبالتفاصيل ونضيف إنه عمل جيد من الناحية التوثيقية وإن بدا سريعاً من حيث عدم الدخول عميقاً في البنية الوائية للأعمال المدروسة. ولكنه عمل توثيقي مفيد.

الكاتب: بشار ابراهيم

الكتاب: المخيم في الرواية الفلسطينية

الناشر: وزارة الثقافة السورية