يحتكم الوزن للسليقة، وتكون الكلمات باللهجة المحكية، يطلق العنان للوتر الواحد الذي يرسم لحن الربابة.

هو "أحمد الحاج علي" أحد شعراء الربابة في "حوران" من مواليد "درعا"- "خربة غزالة" 1962، مسجل بنقابة الفنانين بصفة مطرب ربابة، بدأ العزف على هذه الآلة منذ سن السابعة حيث كان يمسك القوس بيده ويد والده تعينه على مكان الوتر، وعن بداياته في نظم الشعر المغنى على الربابة قال مما كتبه في ديوانه:

الشاعر والعازف على آلة الربابة يجب أن يبحث في القوافي والأوزان والكلمات التي تكون مناسبة للوتر، ويجب أن تكون واضحة غير مصفوفة

«أهوى الشعر من يوم سن الطفوله/ ودستور شعري حاوياً ذكرياتي

أحمد الحاج علي

لكن أغذي النفس وأدري ميوله/ وألعب ربابة من بداية حياتي

وليجتمع مجلس كرامة ورجوله/ بالمختبر وتشوف زمرة سماتي

ديوانان من أشعار أحمد الحاج علي

لا غايتي أرقى وسام البطوله/ ولا شاعر المليون هذي مناتي

أحمل رسالة من قبل الكهوله/ تثبيت وجودي في حياتي ومماتي

مع الربابة رفيقته الدائمة

ولو ردت من نظم القوافي سيوله/ عبيت من كثر المصاري شناتي».

"الحدادي، الهجيني، المطلوع، الفن، المسحوب، الونة والجوفية"، هي من أنواع القصائد التي تغنى على آلة الربابة كما حدثنا "علي" حيث قال: «الشعر الشعبي يروى باللهجة المحكية ولا يتقيد بقواعد البلاغة، كما أن الشعراء الذين كتبوا الشعر الشعبي كتبوه ليكون مخصصاً ليغنى على الربابة».

ولابد من مواصفات معينة لشاعر الربابة الذي يجب أن يتمتع بخبرة وتمحيص طويلين حيث تابع "علي": «الشاعر والعازف على آلة الربابة يجب أن يبحث في القوافي والأوزان والكلمات التي تكون مناسبة للوتر، ويجب أن تكون واضحة غير مصفوفة».

كما أن هناك مواصفات معينة للعزف على آلة الربابة فيتابع: «يعزف على آلة الربابة بإيقاع أو (رتم) يمتاز بالبطء، ونستطيع أن نزيد هذه السرعة تباعاً ليكون الإيقاع سريعاً، وبهذا نكون قد طورنا في طريقة العزف، إضافة إلى استخدامنا في هذه الحالة بعض الآلات المرافقة كالعود والرق».

ولأنه والربابة صنوان لا يفترقان أبداً فقد روى لنا "الحاج علي" حكاية ولادة الربابة التي تشبه بتفاصيلها أساطير ألف ليلة وليلة حيث تقول الحكاية: «كانت الربابة مهراً قدمه شاب لفتاة رفضت الزواج منه شرط أن يجعل العود ينطق، فانطلق وحيداً متأملاً وشارداً إلى أن التقى عجوزاً حكيمة في بيت من الشعر، تعاطفت معه بعد أن سمعت قصته وقررت مساعدته، فطلبت منه أن يحضر قطعاً من جلد الذئب وشعراً من ذنب الخيل وخشباً، واستطاعت بذلك أن تصنع آلة جعلت العود ينطق وكانت الربابة».

وكغيرها من الفنون فإن هذه الآلة تتناول قضايا المجتمع والبيئة التي ولدت فيها، فقال "علي":

«نتناول في شعر الربابة قضايا مختلفة ومتنوعة نتحدث فيها عن مواضيع مثل: "الحسد والولد العاق وجذور الحضارة وطبائع الناس ووصية الأب"».

إضافة إلى قضية الساعة والوقت التي قال فيها أيضاً:

«حكم الأميرة والأمر عنفواني/ والكل يرقبها صديق وصديقه

تحسب علينا أنفاسنا بالثواني/ والعمر مرة تحسبها بالدقيقه

تأخذ جديدي وتنقصها من زماني/ وتمحي قديم ما تجدد عتيقه».

كما يتناول شاعر الربابة بعض الألغاز التي تكون حصيلة فراسة وخضرمة الشاعر الأصيل، على حد تعبيره.

"ريم الفلا" كانت أول أغنية يكتبها ويغنيها "أحمد الحاج علي" مستخدماً لحن القصيد بإيقاع بطيء، ينطلق منها إلى سرعة أكبر على "الإيقاع البلدي" مستخدماً العود والرق، وبعد 15 يوماً من العمل على كلماتها تخرج على الشكل التالي: «ريم الفلا/ أهلاً هلا/ ألفين هلا/ مية هلا/ يا أبو عيون مكحلا/ طل الحلو/ ما أجملو/ بريحة هلو/ ما أكملو/ يزهي بثوب المخملا/ هيهات لو يتحملا/ عين المها/ في لونها/ زاهي البها/ يا نورها/ يبهر شبيه المشعلا».

كما أن لـ"أحمد الحاج علي" ديوانين من الشعر الأول عام 2004 بعنوان "نغم الربابة" يحتوي على 30 قصيدة، والثاني عام 2005 بعنوان "منظومات من حكايات" تضمن 70 قصيدة، ويعمل الآن على مشروع الديوان الثالث الذي يتجاوز 70 قصيدة.

كما أنه كتب أغنية شعبية فاز بها بالمركز الأول في مسابقة أغاني الجولان حيث يقول:

« يا ليتني طير بسما الجولان حايم/ بالضحى وأصبحت أنا من فوق تله

على الخميل أفرش جناحي المحبة/ مي وفي وجالساً من تحت ظله

والربيع المبسمة للعين ساحر/ والنسيم الشافياً من كل عله».

أخذ شاعر الربابة "الحاج علي" مشروع تطوير وتوثيق هذه الآلة بكل تفاصيلها ولا سيما في ظل غياب الظروف الصحية لتعليمها وافتقار الأماكن المخصصة لذلك: «لا توجد أكاديميات خاصة لتعليم العزف على هذه الآلة، وإجمالاً يكون تعلمها سماعياً أسهل من تعلمها من النوتة، ويكون ذلك باختيار المكان المناسب على الوتر وإلغاء بعض الأصابع أحياناً».

وعلى سبيل تجديد وتطوير هذه الآلة مع الحفاظ على خصوصيتها يتحدث "أحمد الحاج علي" عن عملية بحثه في شمولية الفن الحوراني محاولاً عدم تجاهل المحيط، وباعتباره من الفنانين القلائل المسجلين في نقابة الفنانين كعازفي ربابة، ويحمل على عاتقه مسؤولية الحفاظ على طابع تلك الآلة الموسيقية الأصيلة وخصوصيتها من ناحية، وتطوير العزف عليها من ناحية أخرى، فيحافظ على الكلام محاولاً تطوير اللحن وخصوصاً على مقام البيات الأكثر تداولاً والذي يحمل الكثير من الشجون، يقول: «أعامل الربابة كيفما ألفظ وأصابعي على الوتر تكتب». وهي كلمات يلخص من خلالها "أحمد الحاج علي" "أبو علي" جوهر العلاقة بينه وبين آلة الربابة.