بريشة واحدة يحلق بعيدا في فضاءات ومجالات رحبة وواسعة يكشف بضرباتها عن عوالم وأسرار تصبح بعد أن يصبغها بألوانه جلية وواضحة، يجردها عن كل غرابة ويدعها ترقد بسلام بين إطارات أربعة، لتغرف العين منها الجمال وتغدو متعة للرائي ونزهة للمشتاق، ومن خبايا الروح وبذات ريشته ينضح المداد ليصوغ الإبداع فنا وأدبا وشعرا يجلل ذلك كله بمنحوتاته التي يعشقها وكأنها الحبيبة.

هو الفارس وان اختاره القدر ليترك الميدان بعد حادث ألزمه الفراش ولكن ما تزال تقرأ في عينيه وعودا بالعاصفة وأملا كبيرا بقرب الإياب، هو الفنان التشكيلي "حنا بشارة" أحد الأسماء البارزة في سماء "محافظة درعا".

موقع "eDaraa" زار الفنان "حنا بشارة" بتاريخ 2/12/2010 وكان لنا معه الحوار التالي:

‫من اعماله

  • اللون هو موجة يركبها الفنان ويحسن ركوبها، ما اللون المفضل الذي اخترته للوحاتك؟
  • ** اللون هو الحالة الواعية لوصف الإحساس الذي يجول في نفس الفنان لذلك ليس عبثا أن يتم اختياره، فالفنان بكل مفردات لوحته يحاول أن يعبر وينطق عما بداخله، لذلك من الطبيعي لن تكون هناك عدة تجارب لونية، ابتعدت عن اللون الأزرق الذي أراه لونا تراجعيا وفيه حرارة معتدلة على العكس من اللون القرمزي هذا اللون الناري الذي أسرني بكل درجاته وبشكل كبير.

    احد النصب التي صممها

  • كيف تعرف الفن وأين ترى نفسك فيه؟
  • ** الفن قبل أن يصنف ويتفرع إلى مدارس تعبيرية وطبيعية وتجريدية وغيرها، هو رحلات للنفس خضعت لها هذه التجارب، هو حالة من التسامي يعيشها الفنان مع كل فكرة وفي كل مرة تكون هناك اكتشافات تتبدى للمرة الأولى دون أن يكون الفنان على موعد معها ولكنها تنساب بشكل يحرض دوما لمزيد من المغامرات بغية اكتشافات جديدة، وبعد رحلة طويلة في هذا الميدان يمكنني القول بان التجريد والمدرسة التجريدية هي سقف الفن أمر يؤكده ندرة من لديه القرة على التجريد، الفن ميدان واسع يمنح الخيارات والأدوات للتعبير عن الفكرة بالشكل الذي يرضي الذات، إضافة إلى الرسم أميل إلى النحت وتصميم النصب والى الأدب والشعر.

    الفنان حنا بشارة مع زوجته

  • ألا يقود كل هذا التنوع إلى التشتت بالنسبة للفنان؟
  • ** قد يقود هذا إلى التشتت بالنسبة للفنان ولكن للمسالة أبعاد أخرى فكثير ما يعيش الفنان حالات من احتقان الأفكار وتعددها التي لولا وجود مثل هذا التنوع لما عرف كيف يوجه أفكاره كما كان يحدث مع "ليوناردو دفينشي" والمهم في نهاية المطاف أن يجد الفنان الطريقة التي يعبر فيها عن ذاته.

  • كيف تتعامل مع مسالة الفكرة؟ وهل من جو خاص للعمل؟
  • ** الفكرة غالبا ما استقيها من لحظات التأمل التي أعيشها بكل تجلياتها وقد تهبط فجأة فلا أجد نفسي إلا منهمكا في تجسيدها في المرسم، أما فيما يتعلق بأجواء الرسم الخاصة بي فهي شيء افتقده وأحن إليه كثيرا فهناك حالة من الضجيج والإزعاج تغلف المكان تجعل العمل صعبا وهو أمر يدفعني للتأخر في كثير من الأحيان.

  • متى يكون الفنان في مأزق؟
  • ** هناك لحظات يتعطل فيها كل شيء بعد أن تكون الأمور قد سارت بشكل سليم عنده تبدأ مرحلة من التعب والعجز ويصبح الموقف محرجا في هذه اللحظات يغمض البريق الذي يرافق الفنان في جميع مراحل العمل الأمر الذي يقود إلى توقف العمل وهي من أحرج اللحظات وهنا تبدأ رحلة البحث عن الحلول.

  • البياض هو أول ما يطالعه الفنان في لوحته، كيف تتعامل مع هذه المرحلة؟
  • ** في اللحظة التي تكون فيها اللوحة سطحا ابيض يخيم جو من الخوف يدفعني للبحث عن أسلحة وأدوات لغزو كل هذا البياض الذي أظل في قلق دائم طالما كانت هناك حالة من العزلة بيني وبينه تحول دون غمره بالأفكار والألوان، كل هذا يفرض حالة واعية لشحن كل الطاقات لقتل هذا الرعب وكسر هذه العزلة.

  • للمرأة والمكان والذاكرة مساحة تكاد تكون محجوزة سلفا في عمل الفنان، فما طريقة تعاطيك مع هذه المفردات؟
  • ** لم تشكل المرأة بالنسبة لي ذلك الهاجس الذي نجده عند كثير من الفنانين دائما كانت المرأة بالنسبة لي شكلا وليست مضمونا أي أتناولها دون التركيز عليها، كما أني لم أسحر بمكان محدد فقد شغفتني الطبيعة بكل ما فيها، أما الذاكرة فانا أرى أنها أهم الأدوات التي يمكن أن يرتكز عليها الفنان في أعماله فهي الوعاء الذي يستوعب ثقافات الفنان وخبراته ودونها لا يكون هناك استيعاب للأمور، ويمكن القول إن الذاكرة هي أمضى الأسلحة بيد الفنان.

  • كيف ترى الحركة الفنية التشكيلية في سورية، وفي المحافظة؟
  • ** تشهد سورية وعلى مستوى عال جدا حركة رائدة وواعية بدليل الأسماء الكبيرة التي سطرت اسمها على مستويات عالية جدا وهي غنية بمواهب خلاقة وبركانية لابد أن تأخذ حقها وحجمها المناسب، أما في محافظة "درعا" فهي حركة واعدة وخصوصا في ظل الجهود التي تبذل من قبل المهتمين وفي مقدمتهم الفنان "محمود جوابرة" الذي يعمل على جعله حركة رائدة ومتقدمة.

  • ما اقرب أعمالك وهل من عمل لاتنساه تحدثنا عنه بالتفصيل؟
  • ** هو عمل نفذته عام /1982/ أحببته كثيرا لأنه كان بمثابة تحقيق للروح والذات، والعمل هو "قطار الشرق السريع" جاء هذا العمل اثر حادثة قطار حصلت في المحافظة في هذه الفترة وذهب ضحيتها عدد من الأشخاص، أما العمل الذي لا أنساه فهو بعنوان "الخصب والطبيعة" أعالج فيه موضوع الجفاف من خلال عدة رموز وعناصر ففي اللوحة الرئيسية جذع شجرة على هيئة إنسان مصلوب يستغيث يمثل الجدب والجفاف وهناك عدة رموز لإظهار قيمة الخصب وأهميته أبرزها حيوان برأس كبش وجسم ثور وامرأة تضع يدها على حاملة الإناء التمثال السوري المعروف كل ذلك ضمن طبيعة تبدو غريبة وهي اقرب للغروب أو بدايات الصباح الأولى، هذا العمل كان المشروع الذي تخرجت به في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق.

    الجدير بالذكر أن الفنان "حنا بشارة" هو من مواليد عام /1946/ خريج "كلية الفنون الجميلة- جامعة دمشق" عام /1973/، شارك بالعديد من المعارض المشتركة، وأقام معرضا منفردا بعنوان "تحية إلى درعا".