«ولدت معي الأحاسيس الاجتماعية والوطنية من حمرة تلال وسهول "حوران"، التي انتعشت بشقائق النعمان وسنابل القمح التي تجود بالخير والعطاء، وتتغذى من قطرات الندى وفيض السماء، والتي تموج كأمواج البحر نتلمسها بالأيادي السخية، وأغنية من حناجر الحصادين على السنابل الذهبية».

بهذه الكلمات بدأ الحاج المعمر "خليل الحاج علي" حديثه لموقع eDaraa في 18/12/2009 الأرشيف الحي على البشر والشجر والحجر، وذكر بلسان ناطق وقلب خافق وحنان دافق عن ذكرياته العريقة، ومهنته الإنسانية التي لم يتقاض عليها يوماً أجراً، وهي تجبير الكسور فقال لنا: «بدأت منذ نعومة أظافري بتجبير الكسور، وتمسكت بها كثيراً كونها وضعت سويداء قلبي وسواد عيني حمداً وإيماناً كبيرين لتجبير السواعد السمر، التي لا تعرف الكلل والملل، حيث ارتضيت أن أكون طبيباً ًشعبياً في وقت يندر فيه الأطباء، أقوم بإسعاف المصابين بخدمة مجانية كي أتوج العمل الإنساني النبيل، وأتعامل مع المصابين والمرضى الذين يزوروني بقصد العلاج باستعمال العلاج النفسي كي يشعروا بالثقة، ورفع مستواهم المعنوي لأنها جزء لا يتجزأ من سرعة الشفاء وإدخال الطمأنينة والاستقرار إلى قلوبهم، وقد تحولت مضافتي من ابتسامة مشرقة لاستقبال الضيوف إلى مشفى متواضع لإسعاف الجرحى والمصابين، تلبية للواجب والضمير الإنساني».

أتذكر روح التعاون والمحبة والألفة الاجتماعية، القائمة بين أفراد الأسرة والقرية، نساعد بعضنا البعض في الحراثة والحصاد والأفراح والأتراح، أيام لا تنسى نفتقدها في الوقت الظاهر

ويتابع: «الجبائر هي العيدان التي تشد على العظم المكسور لتجبره في عملية تتبع موضع الكسر وتلمس مكانه، وهذه العملية تتم عن طريق أطراف الأصابع، حيث أضع أصابعي فوق الكسر وأعرف مكان الكسر من خلال درجة حرارة جسم المريض والتي تكون عادة أعلى من حرارة الجسم، وعلى ضوء ذلك أحدد نوع الكسر ودرجته، وأحدد مكانه بدقة، وبعد أن أنتهي من ذلك، أقوم بصنع الأدوية المناسبة. والمواد التي أستخدمها لتجبير الكسور هي مواد بسيطة، و تساعد في سرعة الشفاء وتخفيف الألم عند المصاب.

نبات الطيون ويستعمل بعلاج الكسور

بداية أقوم بخفق بيضة بلدية أطليها على قطعة قماش بيضاء، فتتحول إلى مادة لاصقة تحتوي على الكلس والبروتين، أقوم بعدها بطيّ قطعة القماش على الجزء المكسور وتثبيتها بأربع قصبات، وطبعاً يأتي هذا الأمر بعد شد الأجزاء المكسورة وتركيبها بشكل متناسق».

وبالنسبة للكسور التي مضى عليها فترة طويلة وتكلس العظم المكسور فيها يقول "الحاج علي": «في هذه الحالة يتم التعامل مع الكسر بإحضار نبات بري يسمى "الطيون"، وهو نبات لونه أخضر غامق وورقه خشن، ويتم وضع أوراق "الطيون" في ماء يغلى على النار، ومن ثم يعرض الجزء المكسور لبخار الماء ولفترة زمنية محددة مما يؤدي إلى ليونة العظم المتكلس، نضغط بعدها على مكان الكسر بشكل مفاجئ لكسره مرة ثانية، ثم تتم عملية وضع الجبيرة من جديد وفق طريق الجبار العربي».

بعض ادوات التجبير

وعن فوائد الجبار العربي قال أيضاً: «في البداية يتم تجنيب المصاب الأشعة وإبعاده عن الجبصين، ونخفف عنه الألم وأعباء وزن الجبصين الذي يعيق حركة المصاب ويزيد من آلامه وأوجاعه.

قديماً كانت نسبة الكسور التي يتعرض إليها الإنسان أقل بكثير من وقتنا هذا، بسبب نوعية الغذاء وطبيعته ونكهته الخالية من المواد الكيماوية، وجودة هذا الغذاء يمنح الجسم صلابة جسدية ومناعة فائقة المستوى وخصوصاً الحليب ومشتقاته، والبيض البلدي الذي يقوي العظام ويزيد من نسبة الكلس عند الإنسان، وأضيف على ذلك حليب الأم النقي والمعقم والذي أيضاً يقوي العظام ويمنع هشاشة العظام ».

وختم حديثه بالقول: «أتذكر روح التعاون والمحبة والألفة الاجتماعية، القائمة بين أفراد الأسرة والقرية، نساعد بعضنا البعض في الحراثة والحصاد والأفراح والأتراح، أيام لا تنسى نفتقدها في الوقت الظاهر».

بقي أن نشير بأن الحاج "خليل الحاج علي" مواليد 1911قرية "خربة غزالة"، وله 159 حفيداً، وهو غير متعلم وكان أحد فرسان القرية قديماً.